منزلي وأخذت أطوف في الشوارع آملاً أن أصادف في تلك الساعة المتأخرة من الليل إنساناً. سرت مسرعاً أتفرس في كل الوجوه محاولاً أن أختار الشخص المناسب ولكني لم أصادف مخلوقاً فانعطفت إلى ميدان صغير ووقفت هناك كأني أحد قطاع الطرق أو أحد لصوص الليل. ثم لمحت شبحاً قادماً فلم أرد أن أفاجئه بهجومي السريع فانتظرت حتى دنا مني فإذا هو رجل عادي قد التف في عباءة طويلة وترك شعره الطويل يتموج في الفضاء فلم أرد أن أساله وتركته يمضي في طريقه، ثم تبعت آخر وكان حليق الذقن محدودب الظهر يتمتم بأغنية إسبانية قديمة لعلها كانت تذكره بأيام شبابه الماضية، فلم أكد أتفرس في وجهه حتى رأيته يغلب عليه النوم فتركته لِشأنه.
إني لا أستطيع أن أتذكر الحال التي كنت فيها في تلك الليلة، كلما فكرت في تلك الحالة فأتصور نفسي إنساناً غريباً من قطاع الطرق يترقب شخصاً لا يعرفه يسأله قصة حياته وهو يتحرق شوقاً لأن ينقض على تلك الفريسة المجهولة، وكأن القدر القاسي قد ظن عليّ بذلك الرجل الذي أنتظر، إذ أن جميع من مروا بي كانت تبدو عليهم علامات الترف والنعيم. ولكني لم أيأس من الوصول إلى بغيتي، فبقيت واقفاً تحت المصباح الذي كان يتمايل كلما هبت الريح ولكن الشوارع كانت مقفرة، ولم تكن تلك الرياح العاصفة تغري الناس على السير في تلك الليلة الباردة. ولكن لم يطل انتظاري إذ لاح على بعد شبح قد أيقض الشارع وملأه حركة بعد سكونه ثم أخذ يدنو مني شيئاً فشيئاً، ولم يكد يقترب مني حتى عرفت أنه الرجل الذي أبحث عنه. لم يكن ذلك الرجل بالجميل ولا بالقبيح. بل كان وسطاً بين الاثنين كما كان وسطاً بين الشباب والكهولة، ذا عينين هادئتين يلبس معطفاً سميكاً على أحدث طراز. فلم يكد يخطو عدة خطوات حتى أوقفته بيدي، فارتاع لمرآي ورفع يدع كمن يتأهب للدفاع عن نفسه ولكني أسرعت فطمأنته أني لا أريد به سوءاً فقلت له في صوت رقيق (لست قاتلاً ولا سفاك دماء ولا شحاذاً وإن كنت شحاذاً من نوع آخر، إني لا أطلب مالاً ولكني أطلب شيئاً واحداً لا يكلفك نفقة هو قصة حياتك) فحملق الرجل في وجهي ثم تراجع إلى الوراء، فتوقعت أنه قد ظن أني معتوه فقلت في صوت هادئ رزين (إني لست مجنوناً كما تظن وإن كنت قريباً من ذلك فأنا كاتب قصص عليّ أن أكتب قصة قبل طلوع النهار لأرد عن نفسي غائلة الجوع، ومن أجل ذلك أسألك أن تخبرني عن