إلى العاطفة الشعبية، ففي القرن الماضي مثلا كان كتاب مثل بلزاك وفيتكور هوجو وأميل زولا وفرانسو كوبيه، وغيرهم يصلون بسرعة إلى أعماق قلوب الشعب، ولكن هذه الطبقات الشعبية تكتفي اليوم بقراءة الرواية البوليسية أو مشاهدة السينما؛ وكيف لا يكون ذلك وأكابر كتاب العصر، مثل جيد وبروست وفاليري وغيرهم يقصدون بما يكتبون طبقة أو طبقات معينة من الخاصة؟ فالشعب يقرأ في الواقع ما يكتب له، فإذا نأى عنه عظماء المفكرين فهو بدوره ينأى عنهم.
وهكذا يغدو الميدان حرا لرواج الأدب الغث الرخيص، ويفقد الجمهور شيئا فشيئا الرغبة في تذوق الأدب القيم، ولا يطلب إلا نوعا للتسلية وتمضية أوقات الفراغ في المكتب أو المصنع أو قبيل النوم، ويقضي على كل مجهود يبذل لترويج الكتاب القيم بالفشل لأنه لا يلائم ذوق الجمهور ولا يرضي عواطفه.
ونحن نوافق الكاتب في أهمية هذا التعليل النفسي الذي يقدمه شرحا لازمة الكتاب؛ بيد إننا لا نعتقد أنه بتعليل حاسم، وهناك بلا ريب عوامل كثيرة أخرى لها قيمتها؛ ومن المحقق أن الكتاب فقد كثيرا من نفوذه وسحره القديم بفعل التطورات الفكرية والاجتماعية المعاصرة.
الأستاذ لامبير
وفد على مصر في الأسبوع الماضي العلامة المشترع الفرنسي الكبير المسيو ادوار لامبير عميد معهد القانون المقارن بجامعة ليون، بدعوة من كلية الحقوق المصرية ليلقي سلسلة من المحاضرات القانونية، وقد بدأ الأستاذ فألقى بالفعل محاضرته الأولى. وللأستاذ لامبير روابط علمية قديمة بمصر. فقد كان ناظرا لمدرسة الحقوق الخديوية سنة ١٩٠٦؛ ومع أنه لم يقم اكثر من عام فانه ترك بها أحسن الأثر، ولما عاد إلى جامعة ليون ألتف حوله هنالك في كلية الحقوق جمهرة من الطلبة المصريين الذين تلقوا دراستهم القانونية تحت إشرافه؛ وهو اليوم جمع حافل، بعض أكابر فقهائنا، ومنهم كثير ممن يشغلون أسمى المناصب. واستمرت العلائق العلمية والودية بين الأستاذ لامبير وبين تلاميذه المصريين من ذلك الحين إلى يومنا؛ وهو يزور مصر لآن بعد ثلاثين عاما، وهو في ذروة نضجه العلمي؛ وقد استقبل الأستاذ من جميع تلاميذه القدماء بالتجلة والتكريم؛ وسيواظب على إلقاء محاضراته (القانون المقارن) وكل ما يمت إليه من المسائل الفقهية والاجتماعية.