مستعد أن أطلق الصحافة والأدب وأعمل معه وأقوم له بكل ما يستدعيه الحصول على رأس المال أولا واستيراد الجلود من الجهات المختلفة وتصريف المصنوعات في أسواق الجزيرة والعراق وفلسطين وسوريا، فاقترح هذا على صاحبك وانظر ماذا يرى. . ووقف الأمر عند هذا الحد لأن في المشروع مخاطرة بالمال!!. ولست أدري أين المخاطرة ولكن هذا ما كان. وهكذا ضاعت عليَّ فرصة حسنة للتحرر من رق الصحافة والأدب.)
فسألني أحدهما:(أو تكره الصحافة والأدب؟)
(قلت: لا أكرههما ولكن أعمل فيهما كالحمار ولا أفيد منهما إلا العناء. وإذا وسعني أن أهجرهما إلا ما هو خير وأجدى فلماذا لا أفعل؟ وصدقني حين أقول لك إني لا أكف عن التفكير في وسيلة للنجاة منهما. وقد خطر لي أن أتخذ جراجاً (ولكن الجراج) لا يكون إلا محدوداً وأنا أريد عملاً يحتمل التوسيع على الأيام. وخطر لي أن أتخذ مطبعة ولكني رأيت أن المنافسة الشديدة بين أصحاب المطابع توشك أن تؤدي إلى خرابهم جميعاً. وخطر لي أن أكون بائع (طعميه) وهذا لا يتطلب رأس مال يستحق الذكر، واقتنعت بأن هذا خير ما يمكن أن أصنع وأنه أحسن وجه للخلاص من الصحافة، فذهبت أبحث عن محل صالح ولكني كنت كلما عثرت على واحد واهتديت إلى مكان يمكن أن تروج فيه هذه البضاعة أجد أن غيري قد سبقني. . ولكني لم أقنط من رحمة الله. . وما زلت أرجو أن أوفق إلى عمل صالح غير هذا الأدب الذي لا فائدة منه لأحد)
فسألني ثانيهما:(هل تتكلم جاداً؟)
قلت:(أي والله. . لقد قرأت كل ما وسعني أن أقرأ وكتبت كل ما دخل في طوقي أن أكتب، فهل أفدت إلا الغرور والنفخة الكذابة والصيت الفارغ: وإلا العداوات والخصومات التي لا داعي لها. . لا يا سيدي. . وإني لمستعد أن أنزل لك عن نبوغي وعبقريتي وخيالي الخصب ونشاطي الجم ولا أطلب إلا دكاناً صغيرا أقلي فيه (الطعمية) في سيدنا الحسين أو السيدة زينب أو في بولاق. . أقف فيه وأمامي المقلاة وإلى جانبي الزيت - زيت الزيتون من فضلك - والفول المدقوق وعليَّ ثوب أبيض نظيف وورائي الموائد مصفوفة وعليها الأباريق والأكواب. وأُصص الزهر هنا وهناك. والأرض مفروشة بالرمل الأصفر، فإني أريد أن أُرقي صناعة (الطعمية) وأجعل منها فناً. . نعم، خذ أدبي كله