بقيت لنا في جوف الكهف حتى لا يكون قد فاتنا شيء من (متع) المكان قبل أن نبرحه. فعدنا إلى قمصان البحر فارتديناها ونشرنا شيئاً من الفراش في أرض الغار ثم دخلنا فرقدنا فوقها ولكنا لم نلبث أن اعتدنا حرارة المكان الذي استلقينا فيه، فأوغلنا قليلاً فوجدنا فارقاً محسوساً في الحرارة فسرنا ذلك، وبقينا فيه أيضاً حتى ألفناه ثم أوغلنا ثانية، وهكذا حتى أصبحنا في قرار الكهف حيث الظلام الشامل. فما كان أروع منظرنا ونحن نزحف في نواحي المكان كالخفافيش والعالم من خلفنا على باب الكهف ساطع بهيج! وكنا قد احتملنا معنا مناشفنا فلم تكن ترى فينا إلا شبحاً يستوي قاعداً فيأخذ في تدليك جسمه بمناشفه حتى يجفف عرقه فلا يكاد يرقد حتى يقوم إلى جانبه شبح آخر يظل يهزج ويحك ذراعه بذراعه فلا ينتهي حتى يسلم هذه المهمة لسواه، وهكذا حتى أحسسنا بحلوقنا آخر الأمر تكاد تجف من فرط ما عرقنا وأفرزنا من ماء جسومنا فعولنا على الانسحاب. وكان حتماً علينا أن ننسحب متدرجين كما أوغلنا متدرجين حتى لا تقتلنا الطفرة أو يؤذينا الانتقال السريع. فقضينا في هذا الانسحاب زمناً ليس بالقليل ولم نستطع أن نركب سياراتنا إلا بعد أن انتصف النهار. ونسيت أن أقول إننا أتينا بعد خروجنا على ماء الصفيحتين فشربناه وظللنا من بعده يومين ونحن نتجشأ بنزيناً قويا يكاد ريحه يضيء ولو لم تمسسه نار!
انقضت بعد عودتنا أيام رأيت في خلالها بعض الصحاب فكان حديثهم ترديداً لما لاقيناه من وعثاء الطريق، وما قاسينا من سعار الكهف. ثم قابلت صاحبنا الإيطالي فكان حديثه أنه يفكر في الحصول من الحكومة على امتياز لاستغلال النبع وإقامة فندق صغير بجواره وتهيئة بواخر خفيفة تصل بينه وبين السويس حتى تنقلب الرحلة إلى متعة ينعم بها المستشفي بدل أن تبقى كما هي الآن مشقة ينوء بها الرياضي. فهتف في نفسي هاتف:(يعيش الدوتشي!) وقلت لمحدثي: لمثل هذا فليعمل العاملون.