للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كأنما الله لدى بعثها ... زودها بكل ما في سقر

وفي حديث العرافة له نرى الوصف المر الأليم للإنسان، وما انطوت عليه نفسه من مكر وخديعة، وترى روح التهكم تنبعث على لسان العرافة ساخرة بكبرياء ابن آدم وقد خال (نفسه أعلى من ربه، وحسب عيبه فضلا) وأية سخرية أشد وقعا مما انطلق به لسانها من أنها:

تخشى على الثعبان ... من شره

في نابه السم كان ... وصار في صدره

وينطلق به شيطانه إلى امرأة قد كورت من حلقات النور أضلاعها تلك هي (الشهوة) وإن وصفه الرائع لها، ليجعل القارئ يخال الشهوة قد جسمت امرأة وهي تضج:

من لي بحب نوره ينبلج ... من شرر محتدم في المقل

من لي بثغر لاهب تنفرج ... ثغرته عن شعلات القبل

يا حامل الجسم ألا أعطنيه ... وخذ إذا شئت خلودي ثمن

وشاحي الناري من يشتريه ... فإنني أبيعه بالكفن.

ويمضي به الشيطان إلى الكاهن سطيح الذي يرى أن الله خلصه برحمته حين استل منه العظام (وملأ الفراغ من حكمته) أما الكاهن شق فقانع بنصفه، وما ضره أن حباه الله بيد واحدة إذ:

هل تنفع اليدان والواحدة ... تهدم ما تشيده الثانية

ويخلص القارئ من مغزى هذه الحكمة أن في النقص كمالا، ولكن الشاعر يهوى به الأسلوب في قوله (والله يهديني سواء السبيل) فهي نابية في موضعها لا تلائم الذوق الشعري، وإنك لتلمح رثاءه للبغايا وألمه لهن خلال وصفه الشعري الجميل لهن فهن:

دسن من الحديد محمره ... ورحن يقحمن البراكينا

يلغن في الجمر ويغببنه ... غبا ويرشقن الشياطينا

زج بهن الله في عبقر ... يبلو بهن العبقريينا

وينتهي بالشاعر المطاف عند رفات العبقريين من الشعراء والأدباء، وفي نشيد جماجم هؤلاء العباقرة تلمح تقديس الشاعر لهم، فهؤلاء أرواحهم تبني قباب الخلود (بغير أحجار

<<  <  ج:
ص:  >  >>