في الوقت المناسب؛ وهذا اعتراف يؤسف له، والواقع أننا لم نوفق بعد إلى تنظيم الأعياد والذكريات القومية تنظيماً مرضياً، وفي كل مرة تعرض فيها إحدى هذه المناسبات، نفكر في الاحتفاء بها بعد فوات الوقت. وأحياناً تعرض ذكرى العيد المعين قبل وقوعه بأعوام فيتحمس لها البعض، وتقوم حولها دعاية صحفية واسعة، ولكن الجهات الرسمية تبدي فتوراً مدهشاً. مثال ذلك ما حدث في مسألة الاحتفاء بالعيد الألفي للجامع الأزهر؛ فقد نوه بأهميته واقترابه منذ أعوام، ووضعت مشيخة الأزهر برنامجاً للاحتفاء بهذا العيد؛ ثم حدث تغيير في المشيخة فانهارت كل التدابير السابقة، وجدت كل حركة في هذا السبيل بحجة أن الوقت لا يزال فسيحاً، مع أن الاحتفاء بهذا العيد القومي الجليل يقع في جمادى الأولى سنة ١٣٥٩ هـ أعني بعد ثلاثة أعوام فقط؛ ولم تتخذ مشيخة الأزهر بعد أي إجراء جدي في هذا السبيل. فمتى تغدو لنا همم وتقاليد صالحة للاحتفاء بأعيادنا وذكرياتنا القومية؟
إبرس أول مكتشف لأسرار الفراعنة
احتفل أخيراً في ألمانيا بمرور مائة عام على مولد القصصي والعلامة الأثري الألماني جورج إبرس ويرتبط اسم جورج إبرس بمصر والفراعنة ارتباطاً وثيقاً، فقد كان هذا العلامة هو أول من وقع على أول ورقة من أوراق البردي المصرية، وأول من استطاع ان يصف أحوال الفراعنة في أسلوب قصصي ممتع. وقد ولد إبرس في برلين سنة ١٨٣٧، وجالت بذهنه منذ الحداثة أمنية عزيزة هي أن يزور بلاد الفراعنة وما وراءها من البلاد التي تخلب سيرها لبه. وعني بدراسة تاريخ مصر القديم دراسة خاصة، وعين في سنة ١٨٦٥، مدرساً للتاريخ المصري القديم في جامعة فينا، ثم عين أستاذاً له في جامعة لايبزج سنة ١٨٧٠؛ وهنا فكر إبرس في تحقيق منيته فسافر إلى مصر والنوبة، وعثر أثناء تجواله بمصر على ورقة البردي الشهيرة التي عرفت باسمه، وهي ترجع إلى نحو ألف وستمائة عام قبل الميلاد وبها معلومات طبية فرعونية، فحملها معه إلى ألمانيا، وأذيعت محتوياتها، فأثارت في الدوائر الأثرية أعظم اهتمام، ونال إبرس شهرة عظيمة، وكان ذلك سنة ١٨٧٤؛ وعاد إبرس وذهنه يفيض بسحر مصر القديمة، ويتوق إلى التجوال في هذه السير العجيبة ووصفها، وكان قد أصدر منذ سنة ١٨٦٨ كتاباً عنوانه (مصر وكتب موسى) وكتاباً آخر عنوانه (مصر بالقول والوصف) فرأى عندئذ أن يبدأ كتابة سلسلة كبيرة من