الأوجه، فإذا العالم يعصف به سعار من الجشع المسلح والطمع الباغي؛ وإذا الدين الشرقي يقلبه المزاج الغربي إلى كلب وغلب: فعبقرية موسى رباً ودسيسة، وروحية عيسى خصومة وحرب؛ وإذا رجل لم تنبته صحراء العروبة، ولم تنفحه عطور الشرق، يطغيه الحديد ويبطره العديد، فيقول وهو يحطم الصليب في الحبشة: أنا حامي الإسلام!
وأذل الإسلام إذا لم يعزه أهله! لا يا سيدي! إن الإسلام قوته فيه ودفاعه منه؛ ولا يزال كتابه في أيدينا يعمر القلوب بالقوة، ويغمر النفوس بالحياة: والقوة قوة الإيمان، والحياة حياة الروح؛ أما قوة الأساطيل على الماء وفي الهواء فعمرها يوم وليلة، ثم لا تكون إلا دخاناً في السماء، وحطاماً على الأرض!.
لا يكون الغرب بغير الشرق إلا كما يكون الجسم بغير الروح. فلابد من تآلف العقليتين وتحالف القوتين لإقرار النظام في الدنيا والسلام في العالم. والإسلام - دستور الديمقراطية الصحيحة، والاشتراكية المنظمة، والاخوة الشاملة - يبسط يده لكل يد تدفع الإنسانية إلى التقدم، وترفع المدنية إلى السمو. وهؤلاء المستعمرون الجياع الذين هالهم سره وراعهم معناه، فحاولوا أن يطفئوه في مشرق نوره، ويخفتوه في مصدر صوته، ليسرقوا الضمائر في الظلام، ويسلبوا الذخائر في الغفلة، قد أخطأنا فهمه وجهلوا قواه. فإن نوره من الله، وسيسطع ما سطعت الشمس؛ وإن صوته من السماء، وسيرتفع ما ارتفع الحق؛ وإن سلطانه من العدل، وسيبقى ما بقى الكون. فإذا انشقت الأرض، وانفطرت السماء، وانكدرت الشمس، عاد إلى مصدره الأزلي باهراً كما صدر عنه، طاهراً كما انبثق منه!
لقد أصابوا أخيرا فخطبوا وده وطلبوا حلفه. ذلك عهد جديد بين الشرق والغرب، أو بين السلم والحرب، سيقف فيه الحق الصريح أمام الباطل الخداع وجها لوجه. وسيعلم الإنجليز الذين حالفوا العراق ومصر، والفرنسيون الذين عاهدوا سورية ولبنان، أن الإسلام أصد وعدا، وأن العرب أوفى ذمة. ولعل هذه التجربة القريبة ترفع حجب الظنون عن القلوب والعيون فيعيش أولئك أصدقاء في فلسطين، ويعيش هؤلاء حلفاء في المغرب
إن الإسلام روح فهو حياة، وعقيدة فهو قوة، وشريعة فهو دستور، ومحبة فهو سلم. فعاملوه على ذلك تكسبوا عطفه وتغنموا رفده؛ أما الخداع والرياء، أو الشدة والجفاء، فتلك أسلحة مفلولة، إن قطعت قبل بالأمس فلن تقطع بعد اليوم.