فأجابَ الأبُ الرحيمُ يواسي ... هِ وقد شفّه الأسى والشقاء
باسماً يمنع المدامع أن تج ... ري، وأن تستَفزَّه البُرَحاء:
(يا صغيري الحبيبَ، كيف خبا عز ... مُكَ، أين الثبات أين المضاءُ؟
غايةُ السير ذروةُ التّل هذا، ... وعليه المقيلُ والإرساء
فوقه يا بني تؤسى الجراحا ... ت، وتلقى الجهود والأعباء
فوقه يا بنيَّ يرقُبنا العطف ... من اللهِ ربِّنا والرّضاء)
فاستحى الطفل من أبيهِ وأغضى ... منتهى البثِّ والأسى الإغضاءُ
ثمَّ سارا وفي الفؤادين نارٌ ... وأحاديثُ جَمَّةٌ وبكاءُ!. . .
واستوتْ في سمائها الشمس عجباً ... وتَلَظَّتْ من وقدها الرَّمضاء
وتَغَنَّتْ فيها الجنادبُ فَرحى ... وعليها من الرِّمال خِباء
سكنتْ خطرةُ النَّسائم فالأرْ ... ضُ لهيبٌ والأفق والأجواءُ
وأناخَ الخمولُ كَلْكَلُ المُضْ ... ني، وأغفتْ كالمتْعَب البيداءُ
فبكى الطفلُ لا يحيرُ شكاةً ... والفيافي عن بثه صماءُ
مُطرقا رأسَهُ الصغير ليَخفي ... عن أبيه البُكى، وكيفَ الخفاء؟
وأبوه الساجي يُسارقُهُ اللحْ ... ظَ فَتنزو في صدره الأدواءُ
مَشْهَدٌ يمنعُ القوافي مِنَ الجر ... ي وَتَعْيا عن وصفه الشعراء!
إيهِ دمعَ البنينَ ماذا يُعاني ... ويقاسي مِنْ سكبكَ الآباء!؟
رحمةً للأب الشّفيق ولْلأمَّ ... م إذا ما تَباكتِ الأبناءُ!
مَسَح الطفل أدمعاً فوق خَدَّيْ ... هِ وأهدابهِ لها لألاءُ
قائلاَ والشحوبُ في وجهِهِ با ... دٍ كم قد براه داءُ عَياء:
(يا أبي قد دنا المكان وفيه ... للمهيَض الهناء والنَّعماءُ
هو ذا المذبحُ المُقدَّس والحْب ... لُ، وهذي سكينك العَوْجاء
وعلى منكبيَّ مِحرَقَةُ الذَّبْ ... ح، فأين الضّحَّيةُ القَرْناء؟
أتٌرى قد نسيتها أمْ تراها ... سبقتنا بها إليه الرِّعاء؟)
صُعِقَ الوالدُ الوجيع وسالت ... عَبرةٌ فوق خَدّه عصماء