للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بلوغ التوفيق في موتهم على الأقل. وهنالك أثمار لا تنضج لأنها سهراء في الصيف ولكنها تبقى معلقة بأغصانها لأن جبنها يصدها عن السقوط هكذا نرى في العالم أناساً يلتصقون التصاقا باغصانهم فهل من عاصفة تهب على الشجرة لتسقط ما عليها من أثمار تهرأت ورعى الدود قلبها؟ ليتقدم دعاة الموت العاجل وليهبوا كالعاصفة على دوحة الحياة غير إنني لا أرى غير دعاة للموت البطيء يعظون بالصبر واحتمال كل مصائب الأرض.

إنكم تدعون إلى مكابرة الأرض ومجالدتها، أيها المجدفون والأرض صابرة عليكم صبرها الجميل.

والحق أن ذلك العبراني الذي يمجده المبشرون بالموت البطيء قد مات قبل أوانه، ولم يزل جم غفير يعتقد بان ميتته المبكرة كانت مقدورة عليه

وما كان هذا المسيح العبراني قد عرف إلا دموع قومه وأحزانهم وكيد أهل الصلاح والعدل، لذلك راودته فجأة شهوة الفناء.

ولو انه بقى في الصحراء بعيدا عن أهل الصلاح والعدل لكان تعلم حب الحياة وحب الأرض، ولكان تعلم الضحك أيضاً.

صدقوني، أيها الاخوة، إن المسيح قد مات قبل أوانه، ولو انه بلغ العمر الذي بلغت، لكان جحد تعاليمه، وقد كان له من النبل ما يكفيه لاقتحام العدول عنها. ولكنه لم يبلغ النضوج، ولم تبلغه المحبة في الشباب، فكره الناس وكره الأرض وهكذا بقيت روحه مثقلة ولم ينشر جناحه المهيض إن في الرجل من الطفولة ما ليس في الشباب، فالرجل الناضج اقل حزنا واقدر على فهم الحياة والموت، لأنه يشعر بحريته للموت وبحريته في الموت، وإذا امتنع عليه أن بثبت شيئاً أنكره.

حاذروا أن يكون موتكم تجديفاً على الأرض والإنسان أيها الصحاب تلك هي النعمة التي استجديها من وداعة روحكم

ليرسل فكركم وفضيلتكم آخر أشعتهما في احتضاركم كما ترسل الشمس الغاربة آخر أنوارها على الأرض، وإلا فأن ميتتكم ستكون فاشلة. إنني هكذا أريد أن أموت ليزداد حبكم للأرض من اجلي، أيها الأصحاب. أريد أن أعود إلى الأرض التي خلقت منها لأجد الراحة في أحضانها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>