بحياة التلاميذ وما يألفون، وعرفوا غرائز البنين وشغفها بالعمل، فحولوا الدرس من هذا الشكل النظري إلى تمارين عملية تسد هذه الحاجة الغريزية، ولم يقفوا عند هذا المران التقليدي حتى عمدوا إلى قوة الخيال، فاعتمدوا عليها لتجسيم الصور الوصفية، وكلفوا التلاميذ من ذلك قسطا حسنا ينزع بهم إلى هذه العادات العملية المحققة؛ ولحظوا فتنة الأولاد باللعب الصغيرة، والمناظر البهيجة، فيسروا لهم الحصول على العرائس والكرات، وزخرفوا صفحات الكتاب بأجمل ما ترك الفراعنة من صور وأشكال.
وبعد هذا ينتقلون بالطفل بين جوانب الحياة القديمة، آباء عاطفين وأصدقاء مخلصين، فهم به اليوم في النوادي الرياضية يرونه المصارعة. وحمل الأثقال والترامي بالكرات، وغدا يأخذون بيده إلى المدرسة فيشهد زملائه لاعبين كاتبين حاسبين، وبعد غد يعرضون عليه الجيش المصري بأسلحته وعرباته وسفنه يفتح في الأقطار، ويكون الإمبراطورية القديمة. ثم يدخلون معه منزلا لإحدى الأسر الراقية ليشهد مثل النظام، والطاعة، والألفة، وحسن الآداب. وقد يحملونه على سفن الملكة حتشبسوت إلى بلاد الصومال بأفريقية ليعود بالأشجار العطرية، والحيوانات العجيبة. . وهكذا لا يتركون ناحية من هذه البيئة الفرعونية حتى يغرقوه فيها سامعا، مبصران عاملاً، خائلاً كأنه يشترك في تمثيل رواية أو حفلة ألعاب.
ليس في الكتاب هذه العبارة الجوفاء، والمبالغات الممقوتة التي يلجأ إليها كتاب التاريخ للأطفال حين تعوزهم المادة الممدودة، وبراعة الأسلوب. ولقد سررت حين رأيت (خوفو) ينتهز فرصة فراغ المصريين من الأعمال الزراعية أيام فيض النيل فيملأ فراغهم وجيوبهم ببناء الهرم الأكبر، كما سررت بهذه الناحية التهذيبية التي تصل بالأبناء إلى غاية الدرس التاريخي، وتحملهم على التعلق بأسباب المجد والفضيلة، فهذا الملك أحبته الرعية لإخلاصه في خدمتها، والإسكندر المقدوني بكرت إليه إمارات النجابة، فكان ملكا كبيرا، وهؤلاء الرسل أدوا رسالة الإنسانية وصبروا في سبيلها فكانوا البررة الكرام، وهذه مصر المحبوبة العزيزة أصبحت بفضل هذا الماضي المجيد محج السائحين والباحثين من كل الأقطار.
أما بعد، فلو كان لي طفل أو تلميذ في مدرسة ابتدائية، لما تركته ليلة دون أن أتدارس معه في هذا الكتاب، وأفيض على نفسه منه معرفة، وتسلية وتهذيبا. . . ولعل التلاميذ قد ظفروا