أن يعترف بنبوغ في جو يكفر به - لقد كان الناس قبل أكثر إيماناً بالفروق في المال والكفاية والعلم فكان هذا الإيمان وسيلة صالحة لظهور النبوغ، فلما جحدوا كل شيء كان النبوغ مما جحدوا
وأخيراً كان من أثر هذه الديمقراطية تعميم التعليم، والبحث في خير الوسائل لنشر العلم، فقامت النظريات المختلفة في التربية والتعليم وأصبح العلم شعبياً بعد أن كان أرستقراطياً
واستخدمت الوسائل المختلفة لتبسيط العلم وتحببه إلى النفوس، وغيرت نظم المدارس، فأنشئت رياض الأطفال مكان الكتاتيب، والمدارس الناعمة بدل المدارس الخشنة، واخترعت البيداجوجيا وسائل لتسهيل الدرس وإيصاله إلى الذهن من أقرب طريق
كان من نتيجة ذلك كثرة المتعلمين وقلة النابغين، واتساع البحر وقلة عمقه، وذلك لأن من كان يتفوق في الماضي كان يصادف عقبات لا حد لعددها ولا حد لصعوبتها، فكان من الطبيعي ألا يجتازها إلا الأقلّون، ولكن من يجتازها تكون لديه الحصانة الطبيعية ويكون قد تعود اجتياز العقبات واحتمل مشقة السير، فكان ذلك سبب النبوغ من ناحيتين، من ناحية قلة من يجتاز العقبات ومن ناحية من يجتازها
أما وقد أصبح التعليم معبداً ميسراً فقد زاد عدد المتعلمين وقل النابغون وأصبح الفرق بين العهدين كبذرة تربى في حديقة بستان وبذرة تنبت في الجبال حيث الرياح العاصفة والشمس المحرقة والمطر الذي لا نظام له. فأين نبت البستان من نبت الجبال، وأين الحيوان المستأنس من الحيوان المستوحش؟
وبعد، فما أحق هذا الموضوع بالدرس، وتناول الكتاب له من وجوهه المختلفة.