وأشكاله وطرائق تناول الأدباء لما هم بسبيله: فالأديب الإنجليزي غزير العاطفة، إذا جاشت أطلق لها العنان واسترسل مع خياله، وأثار به منظر طبيعي أو غناء طائر أو ذكرى طارئة أو أثر من آثار الغابرين أو أسطورة من أساطيرهم شتى الأحلام والأطياف، وتناهت به عاطفته إلى حدود الأماني وآفاق الماضي والمستقبل، وهذا الاسترسال مع الخيال إذا أثارته فكرة رئيسية هو مرجع وحدة القصيدة في الإنجليزية
وهناك عدا هذا الخيال المنبث في كل مناحي الأدب أشكال خاصة من الأدب قوامها الخيال، ينهض بكيانها ويوثق وشائجها. وهذه هي الملاحم الطوال في الشعر والقصص الممثلة أو المقروءة شعراً أو نثراً، ففي هذه لا يلتزم الأديب الواقع المجرد بل يفترق عنه افتراقاً جسيما، ويؤلف من شتى أفكاره وتجاريبه وأمانيه وصور الحياة التي مرت به، عالماً يجيش بالحياة والحركة ويموج بالعواطف والنوازع ويفيض بالجمال والإمتاع؛ بهذه الضروب القائمة على أساس من التخيل المحض يحفل الأدب الإنجليزي
فقد عالج الملاحم والمطولات من القصائد ملتون وسبنسر وهاردي ووردزورث وكثيرون غيرهم. وأشعار الملاحم تعج بالمردة والجبابرة والآلهة، وتحفل بخوارق الأعمال وجسائم البطولة، وهي على رغم هذا لا تخرج عن عالمنا الإنساني ولا تغفل النفس الإنسانية، بل تظل نوازع تلك النفس ومشاغلها هي الهدف الوحيد الذي يرمي إليه ناظموها: إذ فيها يتخذ أولئك الأرباب والجبابرة طبائع الناس وميول الأفراد، وإن فاقوا البشر قوة وعظما؛ ومن هنا يتأتى للشاعر أن يبسط آراءه في ميدان متسع وإلى مدى فسيح، فيستعرض مشاغل عصره ويبث خوالج نفسه، فالخيال هنا لا يعدو الحقيقة وإنما يوضحها أحسن توضيح، فضلاً عما يمتع النفس به من قصص متسق وجمال وجلال
وفي الأدب الإنجليزي ما لا يعد من قصص في الشعر والنثر ممثلة ومقروءة، وقوام القصة بطبيعتها الخيال، وإن تراوح نصيبها منه، فهناك القصص التي ترمي إلى أغوار الماضي وتدور حول عظماء التاريخ والأساطير، من طموح يبيع نفسه للشيطان كي يعينه الشيطان على إدراك مطامحه، إلى دائن يتقاضى دينه من لحم غريمه ودمه، كما في روايات مارلو وشكسبير. وهناك القصص الواقعية التي تلتزم الحقيقة إلى حد بعيد، وتصور المجتمع الحاضر تصويراً دقيقاً لا يدع شاردة ولا واردة، كقصص هاردي، ودرامات جالزورذي،