لها أمها العجوز:(ليس هذا يا ابنتي بغلا بل هو من أبناء آدم، فان أبصرته فابتعدي عنه، واختفى عن عينيه، فانه ليس بالمأمون جانبه.).
هذا بعض ما يقال عنك أيها الصديق وأنت بذلك الطريق. ولو كشف عنك الغطاء فأفهمت ما تتحدث به عنك الأرانب في جحورها والوزغ بين صخورها. إذن لتبسمت ضاحكا من قولها كما فعل سليمان، ولأدركت أن مسيرك هذا لا يخلو من عبث ولهو وتسلية.
ولكن حذار يا صديقي مما قد تلقاه من حشرات فتاكة. فان بالطريق أفاعي وعقارب، قد فاضت صدورها حقداً وضغينة، وهي تعشق الأذى حبا في الأذى , فان مسك منها ضر ذهبت جهودك كلها عبثا، أو تخلفت بالطريق زمنا طويلا. فامش إذن في تؤدة واحتراس، لعلك تسلم من حممها وسمومها.
والآن قد وصفت لك الطريق إلى القمة فسر فيه على اليمن والبركة. . . بيد أني لا أريد أن أكتمك أن سالك هذا السبيل قد لا يبلغ من مرامه أو ينال من بغيته إلا قدرا زهيدا. فقد يدركه الإعياء حين يعجز الجسد عن مراد الروح، وتخور القوى والأمل في عنفوانه. أو قد تعترضه عقبة كؤود أو هوة ليس إلى اجتيازها سبيل. أو قد تناله تلك الحشرات الفتاكة بسوء، فإذا أصابك هذا (بعضه أو كله) فلا تذهب نفسك حسرات على ما لم تبلغ ولم تنل، وحسبك أنك لم تزل برغم الإخفاق موفور الشرف عزيز الجانب، لم ترتكب في سبيل تلك القمة إثما ولم يدنس لك ثوب. . .