لهم عظمة هذه الأمة العريقة على أروع ما يتصوره الخيال ويدركه الحس: تقاليد الماضي العتيقة في جدة الحاضر الطريفة؛ وقرع النواقيس بجانب قصف المدافع؛ ومظاهر الأرستقراطية النبيلة في وسط الديمقراطية الأصيلة؛ وملك أثقلوه بالماس والذهب، وقلدوه السيوف والصوالج، وألبسوه الحلل والمعاطف. وضمخوه بالزيت المبارك، أجلسوه على كرسي متآكل فوق حجر منسوب إلى يعقوب وأركبوه مركبة بالية نابية طافت به شوارع لندن؛ ثم رئيس الأساقفة في طقوسه الغربية، وكبار النبلاء في أرديتهم العجيبة! وهذه القوى الثلاث: قوى الملك والدين والنبل هي التي كانت تحكم الدنيا الغربية أيام كان الزمان غير الزمان، والإنسان غير الإنسان، فأصبحت اليوم من عبر التاريخ التي تعرضها إنجلترا على أعين الأمم الحاشدة في لندن وهي تقول لهم: انظروا ماذا كافحت الأمة الإنجليزية حتى ظفرت بالحرية والديمقراطية والدستور! هل منعنا احتفاظنا بالتقاليد من أن نكون أمة التجديد، واحترامنا للدين من أن نكون أمة المدنية، وإخلاصنا للملك من أن نكون أمة البرلمان؟
في هذا الذي تسمعه وتراه من أمس الإنجليز ويومهم جواب مفحم لأولئك الغلاة الذين يريدوننا على أن نتجرد من الماضي العظيم، ونتخلى عن التراث الكريم، ونخرج إلى العالم كما تخرج اللقطاء إلى الوجود، لا تليد يغذي الطريف. ولا نسب يرفع الحسب.
إن شخصية الفرد هي مجموعة مزاياه الخاصة في التفكير والخلق والتصرف، وشخصية الأمة هي مجموعة تقاليدها الصالحة من العادات والاعتقادات والنظم. والشخصية هي حافزة الفرد على النهوض، ودافعة الأمة إلى الاستقلال؛ فإذا عبث بها عابث من النزق أو الضعف انمحى طابع الفرد فشاع، وفنيت قومية الشعب فخضع.
وإذا قال لنا الإنجليز أقوى دول الغرب، واليابان أقوى دول الشرق، إن الحاضر الثابت لا يقوم إلا على الماضي الراسخ، وإن الحوافز الشخصية لا يقويها إلا السنن القومية، كان شبابنا أحرياء بأن يقولوا لأولئك الناعقين: لا تحجلوا حجل الغراب، ولا تنصبوا مضختكم على السراب!