للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العظيم. فكان بذلك النابغة الفذ، الذي لم يماثله في نبوغه أحد من معاصريه، فقد جمع إلى القدرة الفنية، الإحاطة بالهندسة والرياضة والعلوم الطبيعية والميكانيكا التطبيقية والموسيقى والشعر، كما كان مهندساً معمارياً قديراً ومثالا ومصوراً.

وعرف عنه أنه كان جميل الخلق جميل الطلعة نبيل الأصل، فلا غرابة إذا أطلق عليه المؤرخون (الرجل الكامل. كتب في كثير من الأبحاث، وله فيها آثار جليلة، من أهمها لتاريخ الفن كتاباه البديعان (قواعد علم التصوير)، و (الصناعة والجمال). ولكن جوهر حياته، وأعظم ما أنتج ووصل إلى الذروة فيه كان التصوير الذي اتخذه مهنة له عاش من أجله لتأدية رسالته فيه.

أما مميزاته الفنية فكانت المعرفة والمقدرة والخلق إلى أبعد حدود معانيها كلها. أما المعرفة فقد وصل فيها إلى حدود الدهشة فأحاط بالطبيعة إحاطة غريبة، لاسيما إلمامه بطبيعة الإنسان من الناحية التشريحية والفسيوجنومية، أعن ما يفهم من إشارات الأيدي وأوضاعها، وما تعبر عنه كل إشارة وما يقصد بكل وضع لها، ودرس حياة الحيوان وحياة النبات، وأخيرا المناظر الطبيعية الشاملة لكليهما، فضلا عن محبته العظيمة للحيوانات، ورغبته البالغة في مراقبتها ودراستها.

كان له الفضل في تأسيس منهج جديد في التصوير فجعله نابضا بالحياة، كما خلق فيه الظل والنور الممزوجين كالدخان فخلا كلاهما من خطوط التحديد، وأصبح النور مندمجاً في الظل متداخلا فيه لا يستطيع الناظر إليه أن يحدد موضع الفصل بينهما.

ووصل بتسجيله للواقع إلى أبدع ما يمكن الوصول إليه وهو المثل الأعلى في الجمال، وكان التكوين الكلاسيكي مذهبه، كما كان الانسجام روح هذا المذهب.

وتوفر معنى الأستاذية في الإنشاء الموضوعي لكل لوحاته، لعمق بحثه، ورقة تأثره، وبعده عن العنف التكويني إلا في بعض لوحاته التي أصدرها في المرحلة الأخيرة من حياته، فخلق بريشته شعراً منثوراً، يذهب بالمشاهد إلى استماع العاشق بالقرب عن معشوقه، كما لا يحرم المعشوق من كل معاني المديح والإطراء، فتراه يظهر أجسام النساء جميلة صحيحة منسجمة التكوين بعيدة عن التكلف أو التعمد.

ولد ليوناردو سنة ١٤٥٢ في فيلا فينشي في حدود مقاطعة فيرنزا (فلورنسا)، جاء صغيرا

<<  <  ج:
ص:  >  >>