قاتل أثيم. وهو لم يعم الفئران، ولم يحل دمهم فيرق، ولم يرقصهم رقصة العذاب المذكورة، واختصاراً كان عقاراً مأمون الضرر محقق النفع
قال قدريت بذكر هذه الأيام بعد فواتها بزمن طويل:(تلك كانت الأيام) وما كان بالشاب عندها، فقد كان سبق الكبر إليه فصلب من دعوه، وذهب بالمرونة من عضلاته، ولكنه ظل يدب وراء (الأستاذ) يعنى به ويسد من طلباته. قال قدريت (تلك كانت أيامنا أيام كشفنا عن رقم ٦٠٦) وأي والله تلك كانت الأيام! وأي أيام أصابتها ما أصابت هذه من الحمى، وأي أيام حظيت من الجنون والعمل الخابط الراقع الجموح بمثل ما حظيت به هذه؛ اللهم إلا أيام بستور وصار رقم ٦٠٦ يشفى من مرض الورك فتطيب منه الفئران وأعجاز الخيول، ولكن ماذا بعد هذا؟ وهنا يدخل الحظ في تسيير الأمور، فيذكر إرليش نظرية قديمة خاطئة كان قرأها لرجل ألماني عالم في الحيوان أسمه شودين قرأ إرليش في عام ١٩٠٦ أن شودين اكتشف مكروباً لولبياً رفيعاً باهتاً أشبه ببريمة الفلين، ولكن دون يدها؛ وكان اكتشافاً باهراً هذا الذي اكتشفه شودين. ووددت لو أتسع المقام لأحدثكم عن هذا الرجل وعن تعصبه وعن شربه الخمر وإسرافه حتى تتراءى لعينه غرائب الأطياف والخيالات. وسمى هذا المكروب إسبيروشيتا باليدا وأثبت أنه سبب الداء الرذيل المعروف بالزهري.
لم يفت إرليش، وهو القارىء كل شيء، أن يقرأ هذا الاكتشاف، ولكن رسخ في ذاكرته أكثر من كل شيء أن شودين قال:(أن هذا المكروب الباهت يدخل في نطاق المملكة الحيوانية، فهو ليس من مملكة النبات كالبكتريا. والحق أنه قريب الصلة بالتريبنسومات، وقد ينقلب إليها أحياناً
بالطبع هذا لم يكن غير حدس وتخمين رمى به خيال شودين رمياً، ولكنه فعل بعقل إرليش الأفاعيل. قال إرليش: (إذا كانت الاسبيروشيتات بنات عمات التريبنسومات إذن فمركب رقم ٦٠٦ لا بد قاتل الأخيرة كما قتل الأولى).
ولم يعن إرليش أقل عناية، أو يعكر صفو مزاجه أقل تعكير، تلك الحقيقة الواقعة وهي أن أحداً من الناس لم يثبت قط أن هذه المكروبات بنات عمات، وما مثله من يعنى بمثل ذلك. . . ومن هذا مشى قدماً إلى يوم مجده الأكبر.