أما التوازن البادي على مجموعهما الشكلي والوضعي فهو عظيم وأما اختلاف التكوين الجسماني لكل منهم، واختلاف الطريقة التي يجلس أو يشير بها، فهي رائعة، لأن هذا الاختلاف لم يذهب بك إلى منتهى حسن الانسجام وكمال الاندماج.
أنظر إلى الأيدي، وتأمل الأكف التي استطاع بها ليوناردو إخراج ست وعشرين يداً، لا ترى منها واحدة تشبه الأخرى، أليس هذا منتهى ما يطمح إليه فنان؟ لم يترك ليوناردو الحوائط دون تحلية، ولم يفته أن يصور لك منظراً ظهرت بعض أجزائه من خلال الباب والشباكين في مؤخر للصورة. فكأن هذه القطعة لم تخلد مجد ليوناردو فحسب؛ بل هي لوحة من اللوحات الخالدة الفذة في تاريخ الفن كله.
وبدأت المرحلة الثالثة من مراحل حياته عندما غادر ميلانو سنة ١٤٩٩ متنقلا حتى وصل البندقية (١٥٠٣ - ١٥٠٦) ثم فلورنسوا (١٥٠٦ - ١٥١٦) ثم غادرها إلى فرنسا لخدمة الملك فرانس الأول سنة ١٥١٦ وعاش في قصر كلو حتى وفاته في ٢ مايو سنة ١٥١٩ بعد بلوغه السابعة والستين.
وقد أنتج في هذه المرحلة لوحات كثيرة أيضاً، منها لوحة القديسة أنا، والقديسة مريا، وعيسى ويوحنا بأكاديمية لندن، وكلها برؤوس هائلة رائعة، امتزج فيها الظل بالنور امتزاجاً لا يستطيعه إلا ليوناردو. وبعض هذه الصور كان على الكرتون الذي خصصه لتصميم رسم لعمل الفسيفساء في بيت البلدية بفلورنسا منها قطعة أسماها مذبحة انجيارى. وقد فقدت هذه الكارتونات ماعدا القطعة الوسطى منها التي مثلت المقاتلة على العلم، وهذه القطعة ش - ٣ - قد نقلها الفنان روبنز (راجع الرسالة بتاريخ ٣ يناير سنة ١٩٣٧) عن الأصل وهي محفوظة باللوفر.
والناظر إليها يرى العنف والشدة يتمثلان في كل جزء من أجزائها، ولعلنا نستطيع أن نعرف أثر الفن الإغريقي في ليوناردو وعندما نتذكر تلك الصور التي شملها مقالنا عن منحوتات معبد بارتنون (أكروبوليس أثينا).
وله لوحة هي أجمل ما صوره دون منازع، ألا وهي (موناليزا) محفوظة باللوفر، ولا يمكن مهما حاولنا الوصف أن نقدر جمال هذه القطعة ش - ٤ - دون مشاهدتها في الأصل بألوانها الطبيعية الخلابة التي تمثل الجمال الإيطالي في أسمى مظهر له انظر إلى ابتسامتها