للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وقدرت أن مناحة ستقام بمصر على كاتب البعث فانتظرت حتى بكوا وكتبوا، فقرأت بعض الكلمات، وشربت بعض العبرات. . ورأيت مكان قلمه خالياً في (الرسالة) فراعني وحدثني أن أعلام الأدب الإسلامي التي كانت تخفق على نصاب من قلمه قد طويت إلى يوم النشور. . . وأن البيان الهدار الرجاف الجارف قد غاض. . . وأن القلب الذي كنا نسمع لغته بين السطور قد تقطعت أوتاره. . . وأن الحركة الدائبة المجاهدة الناصبة لغاية الشرق الإسلامي والاعتزاز به والدفاع عن محاسنه وجلوة آثاره والصمود بها أمام الزلزلة التي أصابت الشرقيين غداة صحوا على قصف القوة الغربية وفتنة مباهجها صموداً ترك كثيراً من الشبان متماسكين مؤمنين بأنفسهم وبلادهم وميراثهم على رغم ما أتى به الغرب من تخانيث المدنية وزيغ الحواس بها. . هذه الحركة قد ركدت إلى الأبد في وادي السكون. . .

ثم قرأت قصة موته بقلم صديقه وأستاذنا صاحب الرسالة فعجبت لذلك القلب الكبير الذي يأبى أن يموت إلا على نية عمل عظيم للحياة.! يريد أن يطهر. . . إنها وصيته إلى تلاميذ مدرسته فلينفذوها فإنها رغبة التاريخ حدث بها على لسان حي ميت

وهكذا تنتهي حياة المجاهد لا يموت في فراشه إلا على نية الجهاد، لأن أشواق روحه وأوطارها دائماً في حياة الميدان. .

وهكذا تسلم حياة الطهارة إلى تلك الخاتمة السعيدة بالنية العظيمة كما تسلم حياة الإثم وخيانة الميراث الإنساني والأمجاد القومية إلى أن يموت أحدهم وهو في ضجة من شهوات النفس. ولكن هل يستويان مثلاً؟ لا والذي جعل الحياة واجباً حملناه غير مخيرين ولابسناه على كره منا! وجعل الأرض ميداناً للكفاح، لا وليمة للتشهي! وجعل من التاريخ كيراً لابنى ينفى الخبث!

قصة حياة الرافعي العظيم هي قصة الكفاح بين أولئك الذين أرادوا أن يجمعوا للشرق بين الحسنيين من الطريف النافع والتالد الخالد الثابت الذي لا يمكن أن يتغير بتغير العصور، فإغفاله ضلال في الحاضر وعقوق للماضي وتضييع للمستقبل وإفناء للشخصية؛ وبين أولئك الذين أرادوا على حد تعبيره أن يترجموا أمم الشرق إلى أمم غربية برغم الدم والاستعداد وطبيعة المكان ووحي التاريخ. وقد بدأ رحمه الله أن يأخذ مكانه في صفوف

<<  <  ج:
ص:  >  >>