للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والذين لا يقدرون أدب الرافعي هم الذين يقرءون للتسلية وتزجية الفراغ لا للدرس ولا (لتمثيل) المعاني؛ لذلك كان يؤودهم ويجهدهم أن يتابعوا سمو عقله وأن يكثروا مما على موائده الدسمة.

أما الذين كانوا يقرءونه للمتاع بمعانيه الخارقة فكانوا لا يكتفون بقراءته مرة أو اثنتين أو أكثر إذا أحوج الأمر، وهم الكاسبون لأنهم قرءوا (قراءة عريضة) لا (قراءة مستطيلة) ليس وراءها غناء

وأذكر أني قرأت خطرة من (خطرات نفس) للدكتور منصور فهمي بك التي كان ينشرها في الأهرام منذ ١٣ سنة يقرظ (رسائل الأحزان) للرافعي قال فيها ما معناه: (إنك كالموسيقي الألماني فجنر الذي كانت ألحانه لا يفهمها البشر، حتى قال الناس إنه يطرّب للملائكة. ورجاه أن ينزل من مستواه قليلاً حتى يفهمه الجمهور. وهو نقد لبق يعترف للرافعي بالسمو وإن كان يأخذ عليه غلوه فيه في بعض الأحيان. . ولكن للرافعي عذره من قوة جناحيه وقد كان يحملانه إلى جوه الذي فيه سر عبقرياته. .

ويخيل إلي أنه كان يكتب كما يتنفس. . كما عبر واصف بلاغة جعفر بن يحيى البرمكي (وأنه لم يكن يقصد إلى الإغراب وإنما هو عفو الخاطر. على أن تلاحق السعي من قلمه في (الرسالة) قد خدمه أجل خدمة، وبه استطاع أن يخترع ذلك اللون الجديد من أدب البعث فيما يشبه القصة

حاولت أن أرثيه بكلمات شفافة طائرة تليق بروحه وبيانه فإنه لا يليق به أن يرثى بهذا الكلام الجسماني. . . وحاولت أن أصنع ريشاً يرفعني إلى السماء التي كان يأخذ من كواكبها نور قلمه، فأعددت جو الذكرى وأحرقت البخور واستجمت أطرافي للوثبة، ولكن كثافة النفس وخفوت الطبع قعدا بي فاجتزأت بوصف عجزي. . .

سأقرأه في لباس التاريخ وروح الذكرى بعد أن مات وصار كلمة

وسأضع أذني على قبره دائماً لأسمع نداء قلبه بهذه (العقدة الروحية) التي دعا إليها في مقالته (في وحي الروح). . .

وسأجعل من شعلة روحه شمعتي. . .

ومن وحي قلمه غاسولاً لحوبتي:

<<  <  ج:
ص:  >  >>