وشاءت المصادفة أنه كان يوماً في بولونا، وإذا به يواجه البابا ويصافحه، فطلب إليه ترميم تمثاله البرنزي في هذه المدينة؛ وهو تمثال قيم كان قد أصيب بالعطب من جراء التخريب الذي قام به البولونيون فيها. وبعد انتهائه من العمل عاد إلى روما في ربيع ١٥٠٨، وهناك كلفه البابا تعديل مصورات السقف ذي الستة عشر حقلاً بالفاتيكان، وفيه انهمك عاملاً أربع سنوات من ١٥٠٨ إلى ١٥١٢.
وبعد موت يولويس بدأ ميكيلانجلو في تنفيذ مشروع الضريح من سنة ١٥١٣ إلى ١٥١٦، وما قارب الانتهاء حتى فاجأه ليو العاشر خليفة يوليوس بوقف العمل.
وانقضت الأيام وتعاقبت الشهور، فاستأنف ميكيلانجلو العمل في الضريح الشامل لبناء أرضي مربع الشكل ينتهي أحد أضلاعه إلى حائط مجاور؛ كله من الرخام وله ستة نوافذ مستعارة كل منها أشبه بقبلة أقام فيها تمثالاً لإحدى آلهات النصر وجعل السقف محمولاً على رؤوس الأسرى كما هو واضح بالنظر إلى الصورة. هذا عدا التماثيل الحاملة للتابوت، والمحيطة به، منها ستة جالسة وأربعة واقفة، وعدا تمثال البابا نفسه راكعاً أعلى التابوت.
وللبناء الأرضي لهذا الضريح تمثالان لعبدين (محفوظان باللوفر) وفيهما تمثل ألم العبودية تمثيلاً رائعاً، كما أن له تماثيل أخرى لمساجين وهي أيضاً عظيمة.
ولابد لنا من ذكر تمثاله (النبي موسى) وهو الجالس في الوسط (ش ٣) وهو تمثال معروف في العالم كله بعظمة إخراجه وقوة إنشائه، ولذلك يعتبر دون حاجة إلى تدليل أعظم تمثال مفرد في مدرسة النحت الحديث. انظر إليه تره جالساً وقد ارتسم على وجهه ألم التفكير في مصير بني إسرائيل، وظهرت بوادر الغيظ على وجه النبي، مما دفع به إلى وضع يده اليسرى على بطنه، وأسند اليمنى على كتابه، مداعباً شعر لحيته الطويل بأصابعه، ألا ترى أن ميكيلانجلو بهذا النحو قد وفق إلى إخراج آية من آيات الفن الخالدة؟ وهل تظن أنه مهما أوتي فنان من سعة الخيال وقوة الإخراج، يستطيع أن يعبر لك عن نبي طائفة من الناس دون وطن معين، بأحسن مما أخرجه ميكيلانجلو؟ تأمل الكيفية التي أخرج بها التمثال العظيم الذي يعد في نظر الدارس معجزة فنية لا يستطيع إنسان أن يأتي بمثلها! ثم انظر إلى اللحية وإلى طول الشعر والبعثرة التي أصابته من مداعبته له بأصابع يمينه كما قلت.