والمعور لرأيت من يدعى لها ويقربها من المدح بوجه ما (كالمبرد) وينسى أصل النبز وعادة العصر ولولا سعة صدر الجاحظ لقال أيضاً جحظ الله من جحظني. وقال الأخفش خفش الله من خفشني كما قال المبرد: برد الله من بردني - على أن السعي لتجميل ألقاب العلماء عاطفة جميلة، ولكنها تباعد التاريخ وتخفي الحق؛ فقد رأيت لم خالفنا ما روينا عن الشيخين. ولعمري لو أنهما شهدا وهدي إليهما ما قدم في الرسالة من النصوص لما رأيا إلا الفتح، ولشكراً للأديب العالم الذي تسمى (أحد القراء) فطوى اسمه ونشر علمه. فما كان لهؤلاء العلماء من التشدد في الحق إلا ريثما تنكشف لهم الحجة في غير ما بأيديهم؛ فهم أتباع الحق أبداً. ولقد ذكرت بهذا قصة للمرحوم الشيخ الشنقيطي كان يقرأ عليه الأستاذ الخضري شعراً فيه كلمة (الخرامي) بالراء المهملة، فقال الشنقيطي هي الخزامي بالزاء أصلحها، فحدثنا الشيخ الخضري أن نفسه تطلعت أن ينظر القاموس ليرى الكلمة وكان قريباً منه فنظره وإذا في القاموس الخزامي والخرامي بالزاء وبالراء وكل منهما نبت بالصحراء، فقرأ على الشيخ ما وجد. قال الشيخ: أعدها بالراء وأستغفر الله. قال الخضري: كنت أظن أن القاموس أدنى علم الشيخ من اللغة. فضحك الشنقيطي وقال:(دون هذا وينفق الحمار) فتلك منزلة العلماء من الحق إذا تبين وما التوفيق إلا بالله