نفسه - بأن العلم ينكر الأنانية على الإطلاق، ولا يعترف بأثرها في حياة الحيوان والإنسان؟
تقولون:(إن الأنانية عمياء) فهل تستطيعون أن تقولوا - في الوقت نفسه - إن العلم يخالف كل ما هو أعمى؟ أفتنكرون أن القوى الطبيعية أيضاً عمياء؟
تقولون:(إن العلم هو البصر المنزه بحقيقة الأشياء) فهل تستطيعون أن تأتوا ببرهان يدل على أن الوطنية (خارجة عن حقائق الأشياء)؟. . .
كلا. . إن الوطنية قوة اجتماعية فعالة، ليس إلى إنكارها من سبيل. . . آثارها تظهر دائماً، من خلال الوقائع التاريخية والحادثات الاجتماعية، بكل وضوح وجلاء فهي تدخل لذلك في نطاق (حقائق الأشياء). كما تدخل فيه سائر القوى والمؤثرات الطبيعية، كالوراثة والمناعة والمغناطيسية والجاذبية. . .
فإذا أردنا أن نجعل الوطنية موضوع بحث علمي، يجب أن ندرسها كما ندرس الحادثات والقوى الطبيعية بوجه عام، والحادثات والقوى الاجتماعية بوجه خاص. . .
ولا جدال في أن العلم يدرس الكون وحادثات الكون (بحياد تام). يدرس خواص الأشياء، ويتتبع سير الحادثات ويتحرى أسبابها، ويستقصي قوانينها؛ وقد يتنبأ في بعض الأحوال بمستقبلها أيضاً، استناداً إلى القوانين التي اكتشفها والعوامل التي أظهرها. . . إنه يفعل كل ذلك، دون أن يقدم على استحسان أو استهجان الحقائق الثابتة بوجه من الوجوه، دون أن يتأثر بموافقة أو مخالفة تلك الحقائق لمصالحنا المادية أو لنزعاتنا الفكرية بصورة من الصور. لأن مهمة العلم تنحصر في معرفة حقائق الأشياء واكتشاف قوانين الحادثات، ولا يتعدى ذلك إلى تحبيذ أو تقبيح تلك الحقائق أو استحسان أو استهجان تلك القوانين. . .
لنا أن نتخيل كوناً غير هذا الكون، ولنا أن نتصور (مجتمعاً غير هذا المجتمع)، ولنا ألا نكتفي بالتخيل والتصور بهذه الصورة، بل نوصل الأمر إلى درجة التمني، فنتمنى أن يتحول الكون إلى الحالة التي تخيلناها، وأن يتطور المجتمع إلى الهيأة التي تصورناها. . ولنا أن نذهب إلى أبعد من ذلك أيضاً:
لنا أن نعتبر ما تخيلناه وتصورناه في هذا الباب مثلاً أعلى نسعى إلى تحقيقه بنشاط وحماس، وهدفاً أسمى نتجه نحوه بقوة واندفاع. . . لنا أن نفعل كل ذلك، على أن نعلم في