للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومصيبتنا في البلاغة أعظم، فبرامجنا لا توحي بلاغة، ولا تربي ذوقاً؛ وإلا فقل لي بربك ماذا تفيد دراسة (الفصل والوصل) على هذا المنهج إلا تكرير مصطلحات فارغة ككمال الاتصال وكمال الانقطاع وشبه كمال الانقطاع وشبه كمال الاتصال؟ وأخبرني أي أديب يراعي ذلك عند كتابته، ومتى كانت هذه المصطلحات الفارغة وسيلة لرقي الذوق الأدبي؟

وليست برامجنا في الأدب بأقل سوءاً من هذين، فأنا نضع في البرنامج أول الآمر مسائل فلسفية وقواعد في النقد وتاريخ الأدب في العصور المختلفة قبل أن يلم الطالب بجمهرة كبيرة من الأدب يقرؤها ويحفظها ويتذوقها، وبذلك تقدم له نتائج من غير مقدمات، وتصعده على السطح من غير سلم

والذين يضعون البرامج يكلفون وضعها في أسبوع أو أسبوعين أو شهر أو شهرين، وماذا على وزارة المعارف لو كلفت من يضع لها البرامج المستقبلة في سنتين أو أكثر على ألا توضع إلا بعد دراسة عميقة، ثم تنشر في الجرائد والمجلات وتتقبل الاعتراضات عليها ويعمل بالصالح منها، ثم تثبت الوزارة العمل بها عهداً طويلاً حتى تتم تجربتها؟

ثم الامتحانات أمرها غريب! فمع هذا الضعف الذي نسمعه في كل مكان، تظهر نتيجة الامتحانات في اللغة العربية باهرة، والسقوط فيها نادر! فشيء من شيئين: إما أن تكون الشكوى في غير محلها، وهذا ما لا يسلم به عاقل، أو تكون الامتحانات على غير وجهها، وهذا ما يقوله كل عاقل، وسبب هذا السوء في الامتحانات كثير، فنظريات النحو واسعة تحتمل أن يكون لكل خطأ تأويل من الصواب، ومنها عدم تقدير ورقة الامتحانات في جملتها حتى يصح أن يسقط الطالب إن أتى بخطأ شنيع في موضع ولو أصاب في مواضع أخرى، ومنها الرحمة والشفقة في التصحيح، وأؤكد أن لو زالت هذه الرحمة سنة من السنوات وأدرك الطالب ما تعامل به ورقته من الحزم في الامتحان لخدم هذا الموقف اللغة العربية في المدارس جملة سنين

ثم التفتيش؛ والمفتش معذور، فهو كالقاضي يطبق مواد القانون ولا يشرعها، فعليه أن ينظر كم موضوعاً إنشائياً كتبه الطلبة، وهل هذا يتناسب مع العدد المقرر في السنة، وهل ترك المدرس كلمة خطأ في كراسة الطالب من غير أن يصححها، وهل أساء المدرس إساءة كبرى فأستعمل كلمة (التيليفون) و (الراديو) أو على العموم استعمل كلمة ليست في

<<  <  ج:
ص:  >  >>