للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بعافيتهم، تاركين للأقدار وزن ما جهدوا فيه وعملوا له السنين الطوال. ومن أعجب العجب أن أكثر الذين سقطوا في ذلك الميدان كانوا ممن حملوا لواء فكرة جديدة أو مذهب حديث حاولوا نشره في الناس وفيهم حرارة الأيمان وحماسة الاقتناع بصلاحياته، وكان من الواجب أن يؤيدوا ولو إلى الحد الذي يمكنهم من إتمام رسالتهم وتأديتها على وجه يضمن في المستقبل سلامتها لتكون عدة من العدد التي يقوم من حولها جدل المستقبل. ولكن شيئاً من ذلك لم يعش في بيئتنا الأدبية على صورة يتخيل معها أشد الناس تفاؤلاً بأن لها أثراً ثابتاً في عقل الجماعات العلمية أو الأدبية في هذه البلاد أو في غيرها من بقاع الشرق.

فلا نكران إذاً في أن الأفراد قد قاموا بأوفر نصيب في تنشئة تلك الجرثومة التي تبعث في أدبنا شيئا من مجالي الحياة، ولا يطالب الأفراد مطالب بأكثر مما جهدوا له إلا ويكون إلى الظلم والتجني أقرب منه إلى الأنصاف والعدل.

غير أن أمامنا بعد الأفراد الذين عملوا على تكوين التصور الأدبي الجديد جهات أربع يجب أن نتوجه إليها بالكلام في ختام هذه الكلمة

فأن الأدب والعلم لم ينلهما حتى الآن نصيب من تقدير ظهراء لهم من الجاه والمال ما يكفل لأفراد ممتازين في المعرفة على اختلاف ألوانها إبراز أثارهم وتسجيلها في تاريخ العصر الذي يعيشون فيه ولقد كان لظهراء العلم والمعرفة في القرون الوسطى الأثر الأعظم في نقل العلوم إلى أوربا، كما كان لهم في العصر العباسي الأثر الأدنى في نقل العلوم والمعرفة إلى الشرق. وفي مصر ولله الحمد فئة من هؤلاء ولكنهم لا يفكرون في الأدب أو في العلم أو في حماية حرية الفكر إلا كما يفكرون في أتفه الأشياء التي تمر بهم في الحياة. وهؤلاء لا يستحقون من كل نصير للأدب أو حليف للعلم إلا أشد اللوم والتقريع. ولقد برهن هؤلاء على أنهم في هذا العصر، عصر النور والمعرفة، أقل إجلالاً للعلم وتقديراً للمعرفة والأدب والفن، من أمراء المماليك رحمهم الله، وقد أزدهر عهدهم بالأدب واستنار بالعلم، لأنهم كانوا ولا شك من أشد أمراء المسلمين رعاية لآثار العقل والفن أدبية كانت أو فنية. لقد كان أمراء المماليك ظهراء لرجال العلم نصراء لرجال الأدب وفي معتقدي أن ذلك أفخم وأروع ما خلفوا لإعقابهم من صالح الأعمال

بقي بعد ذلك جهات ثلاث: الأولى وزارة المعارف، والثانية الجامعة المصرية، والثالثة

<<  <  ج:
ص:  >  >>