للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحسن الإخراج، ولكن الطريقة الوضعية لهذين التمثالين تكاد تكون مستحيلة بالنظر إلى الكيفية التي أجلسهما بمقتضاها، وهذا ما قررته عندما تناولنا مميزاته الفنية بالبحث

ونأتي هنا بصورة لجانب آخر من هذه المقبرة (ش١) فترى فيها لورنسو جالساً، وعند قدميه تمثالا الفجر والمساء (ش٢، ش٣). أنظر إلى رأس كل منهما وتأمل القوة في الإخراج والعظمة في الإنشاء؛ فالوضع العام خال من الإرغام والطريقة الوضعية أهدأ كثيراً من تماثيله لليل والنهار، وقد عبر عن الحزن تعبيراً قوياً، هذا والتكوين الجسماني وسير الخطوط الإنشائية مما يثير الدهشة والاستغراب لهذه القوة الخارقة في تقدير الجمال الكامل وحسن إخراجه

أنظر إلى جمال اليد اليسرى للمرأة، وإلى اليد اليمنى للرجل وتأمل نعومة جسم المرأة وقوة عضلات الرجل، ترى أن ميكيلانجلو كان موفقاً كل التوفيق في هذين التمثالين

أراد أن يمثل لك بطريقة إخراجه ألم الأحلام الحزينة في الليل وما ترسمه على الملامح عند الفجر، فأخرج وجه المرأة على هذه الصفة، كما أراد أن يمثل لك كيف أن الحزن نهاراً يعود على الجسم العامل والعقل المفكر بملامح أقرب إلى إنهاك القوى والتعجيل بحلول الشيخوخة، فكان إماماً يحتذي وقائداً يتبع وفناناً يذكر على مر القرون

وتمثالاه لجليانو وفلورنسو أقرب إلى الإخراج الإغريقي وهما لا يمثلان صاحبيهما وإنما رمزيان للتعبير عنهما فالأول مثل قائداً حربياً ارتسمت على وجهه ملامح التفكير وقوة الإرادة وصرامة الأوامر. وأما الثاني (لورنسو) (ش١) فتراه جاساً وقد اكتسى جبينه بغطاء رأسه فأحدث ظلاً على العينين أكسب صاحبهما شيئاً من الخفاء وعمق التفكير. أنظر إلى اليد اليسرى وقد لامست شفتيه وإلى السبابة وقد جاورت الأنف، ثم تأمل المجموع الكلي، تر أن صاحب هذا التمثال بحالته هذه وبطريقة جلسته وعمقه في تفكيره، لابد وأن يكون من رجال السلطة العامة. وهذا ما قصده ميكيلانجلو تماماً فقد سجل بذلك للأخوين أميز وأبرز صفاتهما وهي الحكم.

والدارس للمجموع الإنشائي لهاتين المقبرتين يسجل لميكيلانجلو المعرفة الصادقة بأصول علم التشريح بالنسبة إلى التماثيل، والإحاطة الكاملة بعلم النفس بالنسبة إلى مظهرها، فضلاً عن القدرة في فن المعمار التي تجلت في وضعه التصميم الكلي وما أنطبع عليه من

<<  <  ج:
ص:  >  >>