للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذه الأقداحُ فَوّارةً ... والدلُّ والسِّحر وخفقُ النُهود

أليسَ فيها ما يَبُلُّ الصَّدى ... ويفْرِجُ القلبَ المعنى العميد

عدتُ إلى الشارع نَضْرَ المنى ... والكونُ في عَينَّي خلقٌ جديد

تقولُ لي النفسُ وقد أُنْسِيَتْ ... ما أَلِفَتْهُ من شَقاءٍ تليد:

أليسَ حقّاً صفو هذي الدُّنا؟ ... أليسَ لي من خيرِها ما أريد؟

وسرتُ نشوانَ حليفَ الرٍّضى ... يغْمُرُ جَفنيَّ جمالُ الوجود

فرحان. . . لولا منظر لاحَ لي ... أماتَ في قلبي الحبورَ الوليدْ

طفلٌ على وجهِ الثرى نائمٌ ... كأنهُ الجيفةُ فوقَ الصَّعيد

تحسبُهُ في بؤسهِ كوكباً ... تحت نُثاراتٍ من السٌّحْبِ سودْ

تدفعُ عنه البردَ أَسمالهُ ... لو تَدْفَع الأقدارَ كفُّ العبيد!

وجاَءه الشُرْطيُّ مستأسداً ... يحرِمُهُ هذا الرقادَ الشّرودْ

أليسَ في مَنظَرِهِ غُصَّةٌ ... لسادةِ الأرضِ عبيدِ النقود؟

أما على الدولة غَسْلُ الثرى ... من الفُضالاتِ وما لا يفيدْ؟!

أيقظهُ من نومهِ هاتفاً ... بلهجة الآمر ربِّ البنود

(هَيّا إلى دارِكَ. . . . هَياّ أفِقْ! ... في الدارِ لا فوقَ الرَّصيفِ الهجود!)

الدّار! ما الدار؟ وما شأنُها؟ ... ما الأهلُ؟ ما آباؤهُ؟ ما الجدود؟

وهل ينامُ الناسُ في دورهم ... أم مثلهُ فوق الصّفا والجليد؟

وهل له بين الصّروح العُلى ... قصرٌ مشيدٌ، أو مَقرُّ وطيد؟

يا ناسُ. . . دُلوه على مقبرٍ ... وَهْوَ بهِ راضٍ شكورٌ سعيد!!

يا نعمةَ الدنيا ويا عدلها! ... ماذا جنى هذا البريءُ الشهيد؟

أماله مُتسَعٌ ناعمٌ ... وسْطَ المقاصيرِ وفوقَ المهود؟

ضاقَ الثرى عنه وأترابهُ ... بين الرياحين وفوق الوُرود

أليسَ حُلْما صفو هذي الدنا ... وفوقها هذا الشقي الشريد!؟

يا طفلُ عِشْ فوق الثرى جائعاً ... وقضِّ أيامَك كلْباً طريد!

ليَهِنكَ الفقرُ وويلاتهُ ... فالفقرُ نُبْلٌ وسموٌّ وَجود!

<<  <  ج:
ص:  >  >>