للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إِنَّا لفي زَمَنٍ يفيض دِعايَةً ... كادتَ تَدُقُّ به الشُّعٌوبُ طُبُولا

هم يُعْلِنون عن الشُّعُوب كأنها ... سِلَعٌ وَنَرْضَى بالسُّكوتِ خُمُولا

مَنْ راح ينشُرُ للبلاد دِعايةً ... فكأنه يَبنْي لها أُسْطُولا

وَليَ الأُمُورَ بمصرَ أَصْيَدُ ياَفِعٌ ... بَزَّ الأوائلَ فِتْيَةً وكُهُولا

جَاشَتْ بِصَدْري يَوْمَ قُلِّدَ عَرْشَهُ ... ذكرى فراعِنَةِ القُرُونِ الأولى

ما أبهجَ الإِكْليلَ فوق جبينهِ ... هذا الجبينُ يُزَيِّنُ الإِكليلا

هذا هو الفاروقُ أشْرَق وجْهُهُ ... فَسَل الغزَالةَ هل تُرِيدُ أُفُولا؟

أفديه منْ مَلِكٍ أغرَّ وراَءهُ ... شَعبٌ يُرَتِّلُ حمدَه ترتيلا

يَعْنوا لطَلْعَتِهِ ويهتف باسمِهِ ... ويكادُ يتلو قوْلًهُ إنجيلا

مَلِكٌ تواضُعُه يزيدُ جَلاَلَهُ ... ليس الغشومُ المستبدُّ جليلا

يُنسيك من فَرْط التواضُع تَاجَهُ ... فتكادُ تحْسَبُهُ أخاً وزميلا

يَرْنو إليه الطَّرْفُ غيرَ مُنَكَّسٍ ... والبدرُ يظهَرُ من سَناَهُ خَجَولا

يَقضي لُباَنَتَهَُ الغنيُّ ببابه ... ويرى الفقيرُ دُعاَءهُ مَقبولا

لَبِقُ الحديث كأنما هو مُلْهَمٌ ... وقد أدْرَكَ المعقولَ والمنقولا

لا تُحْصِ أعْمَارَ الملوكِ فإِنني ... أجدُ الملُوكَ مَدَاركاً وعُقولا

ما قلتُ: قد بلغ الرشادَ بسِنِّه ... فَعَلَيْهِ كان بطبعْه مَجْبولا

إِنَّا عَهِدْنا الرُّشْدَ فيه سجَّيةً ... ما كان في يومٍ عليه دَخِيلا

ما ضَرَّ غَرْساً طاب قَبْلَ أوانِهِ ... أنْ كان حُرّاً في النَّبات أصيلا

قد كان ذو القرنين مثلَكَ يافعاً ... وأركما تَتَشاَبَهاَن مُيوُلا

هيهاتَ أنتَ أجلُّ منهُ حضارةً ... وأعَزُّ أوطاناً وأكرَمُ جيلا

فاروقُ تلك عناية الله التي ... قد حَقَّقَتْ في عهدِك المأمولا

إن الكنانَةَ ظنَّتِ اسْتِقْلاَلَهاَ ... حُلْماً فكنتَ لحُلْمها تأويلا

وهي المشاكلُ كلُّها وَجَدَتْ لها ... في عهْدِك الزاهي السَّعِيد حُلُولا

عَهْدٌ قصيرٌ غيرَ أَنَّ غُضوُنهَ ... في جَبْهَةِ التاريخِ صرْن حُجُولا

لو حاكت التِّيجاَنٌ تاَجَك لم يَجِدْ ... يوماً إليها الثائرون سَبيلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>