في فلسطين. . . وإن حوادث أسبانيا الحالية خير برهان على ذلك.
وقسم المملكة اليهودية من فلسطين لا يتسع طبيعية لأكثر من مليون. فمتى وجد ثلاثة ملايين إن لم تقل خمسة أو أكثر، اضطروا بحكم الطبيعة إلى التوسع، ولا توسع لهم إلا في البلاد العربية. أما استيلاؤهم على بقية فلسطين وشرق الأردن فسهل متى كان لهم مملكة، لعوامل اقتصادية عرضناها فيما تقدم. ومتى استولوا على (المملكة العربية) المنوي خلقها زاد عددهم في فلسطين، حينئذ يوجهون وجههم شطر سوريا ولبنان. وعند ذلك، مهما كانت شجاعة العرب، ومهما كان صبرهم على القتال، لا يكون في مقدور جيش القطر السوري الشقيق، حتى وإن عاضده بقية البلاد العربية، الوقوف أمام جيش (المملكة اليهودية) العديد والمجهز أحسن تجهيز حربي حديث. . . ومتى زال استقلال سوريا، هدد العراق، ومصيره أن يجزأ بين الطامعين فيه، ويدخل قسم منه في المملكة اليهودية. أما مصر فستجابه خصما عنيداً يكون عونا لأعدائها عليها. . .
ولنفرض أن لا خوف على استقلال سوريا والعراق ومصر السياسي من (الدولة اليهودية)، فإن هذه البلاد سوف لا تنجو ولن تنجو من استعمار اليهود الاقتصادي لها. فوجود دولة يهودية في فلسطين أو في قسم منها معناه زوال كل ما لمصر من أمل في زعامة البلاد العربية ثقافياً واقتصادياً، إذ ستكون الدولة اليهودية حائلا بينها وبين هذه البلاد، وسوف لا تنجو هي من استعمار اليهود الاقتصادي. ومعناه أيضاً زوال كل ما للعراق من أمل في تقوية الرابطة بين البلاد العربية، وتوحيدها، ومن وصوله إلى البحر الأبيض المتوسط. أما سوريا، بما فيها لبنان، فإن لم يزل استقلالها زوالا نهائياً، فستكون تحت نفوذ الدولة اليهودية سياسياً واقتصادياً. . .
إن وجود (مملكة يهودية) في فلسطين أو في قسم منها، ضربة قاضية لآمال العرب (بما فيهم مصر)، وسبب لفقدان السلام والهدوء من الشرق العربي. لهذا يجب على كل عربي أن لا يرضى أبدا بتقسيم فلسطين، ولا يمكن الحكومة منه. ويجب على جميع البلاد العربية أن تتساند وتحول دون تأسيس مملكة يهودية في قسم من فلسطين، فتحول بذلك دون وقوع الأخطار العديدة التي ذكرنا بعضها.