للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بنت طيبة، ولكنها مظلومة قضاء وقدراً!). . .

فتيان مصر، فتيان الحياة الجديدة في مصر! بحركة واحدة قمتم انتم قومة رجل واحد. قمتم لأنكم بحميتكم الأبية، وبشبابكم الحار، وبوفائكم البصير، أدركتم أن سلاسل القضاء والقدر كثيرا ما يحبكها المرء لنفسه، وأن البلاد كثيرا ما يهمل أبناؤها أمرها فيكونون لها ظالمين! أمصر ميدان لشتى الصناعات والثقافات والحضارات؟ إذن لتستفيدوا من كل أولئك. وما كان في نظر المتشائمين موضوع رثاء وحسرة ينقلب بين أيديكم موضوع جذل وأريحية وميدان خير عميم! تأخذون من كل قوم ما عندهم من ابتكار ونظام وتدبير، فتطبقونه على قومكم بمقدار ما يتناسب وحاجاتكم. وما انتم بذلك إلا مماشون سنن التاريخ.

فما من صناعة أو ثقافة أو حضارة إلا اقتبست شيئا مما سبقها أو استلهمت شيئا مما يحيط بها. ما هو الفرق بين مصر وبين غيرها من البلدان القوية؟ أول فرق ظاهر أن البلدان القوية تستهلك ما تنتج، وتدفق على غيرها من الأقطار ما يفيض عن حاجتها، في حين أن مصر تنتج قليلا وتستهلك كثيرا مما يقدمه لها المنتجون. وهذا هو النقص الذي قمتم تعالجون! أو تذكرون قول الاسكندر قبل أن يقدم على فتح الأمصار القريبة والبعيدة؟ قال: (أريد أن أرث عن أبي فيليب بلدا صغيرا فقيرا مرتبكا ليكون لي الفخر بان أجعله بلدا فسيحا غنيا تضرب الأمثال بقوانينه وأنظمته وعظمته) أنتم ورثتم عن آبائكم بلدا عظيما غنيا ما زال في حاجة إلى تنظيم في بعض نواحيه. ولتكونوا فخورين بهذا الوطن وخصائصه، ولتكونوا فخورين بحاجته اليكم، وبما لا يروقكم فيه. ولتكونوا فخورين لأنكم وجدتم في هذا العهد الذي تستطيعون أن تقوموا فيه بالخدم اللاَّحَّة! كذلك تسبرون غور مقدرتكم، ومبلغ تأثيركم، وتعرفون مقدار قيمتكم الأدبية أفرادا وجماعة!

عيدكم عيد الوطن، وعيد نشاط الوطن. صيحوا بأصواتكم الفتية بوجوب توزيع إنتاجه من كل نوع وكل صنف وكل فصيلة، اهتفوا في قومكم أن اجعلوا أثوابكم مصرية، وأثاثات منازلكم مصرية، وزينات حياتكم مصرية، لتهيئوا وسائل العمل والرفاهة لملايين الأيدي المصرية. ردِّدوا أن خذوا عن الآخرين، واقتبسوا، وحصّلوا، على أن تمصِّروا كل ما تحصلون وتقتبسون وتأخذون، فينقلب كل منكم اسكندراً خلاّقاً في بابه!

فتيان مصر، فتيان الوادي الأخضر! عيدكم رأس سنة جديدة، بل هو مطلع عهدٍ جديد! هو

<<  <  ج:
ص:  >  >>