للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأن ننشد فنبدع.) إذن، لم لا تسمعوننا دقائق من زئيركم، إلى جانب الشهور الطوال من نحيبكم نحيب الأطفال، ونواحكم نواح العجائز؟

ستقولون: (هذا ما يجري على اللسان، وما يفيض عن القلب) وسنقول لكم: (إنكم مرضى في أعصابكم، يا أنصاف الرجال، وأشباه النساء.)

بلى! يا طلاب الأدب الباكي النائح، يا عجائز الفن

هؤلاء هم آباؤكم وأمهاتكم وأبناء عشيرتكم، يزجون في السجون، ويرسفون في القيود، وتتلظى رقابهم على شفرات منجل الجلاد؛ ترتعش جفونهم المثقلة لتلمح ومضات النور، وتلهث صدورهم من خناق الكهوف، ويغلي في صدورهم الشوق إلى مروج الحياة الحرة، حيث ترقص عرائس الأحلام والآمال في أحضان الربيع. . .

أليس من جمود الحس، وبلادة الشعور، وغلظ القلب، أن تشربوا كأسكم على قبور الآباء، وأن ترقصوا في مآتم الأمهات، وألا تحرك أوتار قلوبهم هذه الأماني المشتركة الطوال العراض، وألا يهيمن على نفوسكم هذا الموقف الذي تتمازج فيه الأنوار بالظلمات، والآلام بالآمال، والضجر بالرغبات؟ فما نراكم إلا مالئين بنحيبكم جو الرجال، وقارعين آذانهم بنواح (الدلع) والدلال؟

المجد، والشهرة، والنبوغ، والخلود: كل هذا من عرائس القلب، وحسان الخيال.

لم لا يوقظ الحب في قلوبكم، وتلهب الشهوة في جسومكم عرائس هذه العواطف العليا اللاتي يرقصن على أكف النجوم عاريات، وينمن على ظهور القرون غافياتٍ، ويضربن على أوتار التاريخ منشداتٍ، ويقطفن أكاليل الغار من رياض الجنان، ليعصبن بها رءوس المجانين من أهل العشق والغرام؟

لم لا تترامون على أقدام هذه العرائس التي يشع منها نور الرجولة، وتتفتح تحتها أزهار الحياة، بدل أقدام غانياتكم التي يفوح منها روائح الرجس والخزي والعار، والتي مصيرها إلى فجوة قذرة في جوف التراب؟ أليس في اختطاف الرجال ورغباتهم من يد الأقدار، وركوبهم مراكب الهول في سبيل الآمال، وتبوئهم عروش النصر مضمخة بالدماء، أليس في كل هذا ما يبعث فيكم عواطف الرجولة والشدة والبأس، بدل الأنوثة والبرودة والقنوع والدلال؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>