واللغة العربية بصلة، لم يجدوا بديلاً في التركية لتلك الثروة العربية التي أطلقت ألسنتهم قروناً، بل عمدوا إلى اللغات الأوربية يشتقون منها ويستعيرون. ومن حق العربية على نفسها وعلى أبنائها أن ترد إلى التركية بضاعتها المزجاة من الألفاظ العتيقة؛ واللغة العربية ليست في حاجة إليها، وليست عاجزة عن أن تقدم مكانها البديل؛ أليس مما يبعث إلى الخجل والأسى أن نسمع حتى اليوم كلمات (حقانية، وباشكاتب، وحكيمباشي) وأمثالها تدون في محرراتنا الرسمية، وأن تكون اصطلاحات الجيش المصري إلى اليوم كلها تركية؟ ولقد سبقت العراق مصر في التحرر من هذه الآثار البالية، واستحدثت لنفسها في الدواوين وفي الجيش ألفاظاً واصطلاحات عربية. وضربت بذلك مثلاً رفيعاً يحتذى، فعلى مصر التي تتصدر لزعامة الآداب العربية أن تحرر نفسها من هذه البقية العتيقة من العصر البائد، وأن تطهر لغتها ومحرراتها من هذه الألفاظ الدخيلة، وأن تكون في ذلك قدوة حسنة لجميع أبناء العربية في مختلف الأقطار.
مؤلف جديد في تاريخ العرب
صدر أخيراً مؤلف جديد بالإنكليزية عن تاريخ العرب والإسلام عنوانه (تاريخ العرب) بقلم الدكتور فيليب حتي أستاذ الآداب السامية بجامعة برنستون الأمريكية، والأستاذ حتي شرقي تفقه في الجامعات الأمريكية وعرف بتضلعه في لغات الشرق وآدابه، وكتابه عن العرب مؤلف جامع يقع في نحو ثمانمائة صفحة، ويشتمل على تاريخ الأمة العربية منذ فجر التاريخ إلى سقوط دولة السلاطين في مصر وسقوط مصر في يد الترك العثمانيين في سنة ١٥١٧م، وانتقال زعامة الإسلام من الأمة العربية إلى الأمة العثمانية. ويمتاز كتاب الدكتور حتي بطابعه العلمي، ومع ذلك فإن هذا الطابع لم يحل دون حسن العرض وطلاوة الأسلوب. وتمتاز الفصول الأولى من الكتاب، وهي التي تتعلق بأصل الأمة العربية وحضارتها الأولى من الحميرية والنبطية والسبأية، بكثير من الدقة والوضوح، وربما كانت في الواقع أقيم فصول الكتاب وأكثرها طرافة لأن البحث في أصول العرب والحضارة العربية قبل الإسلام ما يزال من الموضوعات الغامضة على البحث الحديث. ومع أنه يصعب على المؤرخ عادة أن يبسط هذه النواحي المشعبة لتأريخ العرب والإسلام في مجلد واحد، فإن المؤلف استطاع أن يلم بهذه النواحي إلماماً حسناً، وأن يقص تاريخ الخلافة في