أما أدبنا الحاضر فلا يمكننا الركون إليه، لأنه أدب مضطرب يمثل اضطراب هذه الثقافة المكتسبة التي لم نتم هضمها ولم تتمركز فينا! أدبنا الحاضر لم يتحرر من قيود القديم سالكاً طريقته الخاصة دون تردد. وأديبنا لم يؤمن بأن في الحياة التي تتكرر فصولها كل يوم أمام عينيه أدباً غنياً يغذي فكره؛ وأديبنا لا يزال يعتقد بأن النزول إلى الحياة يضعف من قيمة أدبه. وبهذا يكتب الأدب فيه كل الألوان إلا لون الأدب، وفيه أثر كل بيئة إلا بيئته التي هو فيها. على أن الأديب الحقيقي حين يبث نفحة أرضه يحملها لتعانق نفحات الأرض كلها، وحين ينشر نسمة لشعبه ينشرها ليضمها إلى نسمات الشعوب!
لا أود أن أحدثكم من أدبنا الحاضر عن آفاقه الإنسانية التي يسمو إليها، ولا عوالمه الرحبة التي تتعانق فيها الإنسانية، ولا ذلك الجمال الذي يكسو الآثار الكونية به، وإنما أحدثكم عن اتجاهات أدبنا من الناحية التي هي أصدق انطباقاً على حياتنا الحاضرة، وهذه الحياة الحاضرة مؤثرة في أدبنا مهما فر منها، وفي أديبنا مهما تجافى عنها! لأن الأديب ليس كالعالم الذي يقدر أن يحيا في بيئة وكأنه ليس منها!
لو أراد واحد في الأجيال الآتية أن يستقرئ نفوسنا وحالنا لرأيته لا يستطيع، لأننا لا نمثل في أدبنا عواطفنا ولا نصبغه بألواننا. إنا نكتب أدباً لا يمثل آلام حياتنا الاجتماعية والنفسية التي نعانيها. ألم تمر بنا أزمات مختلفة وظروف مروعة؟ فأين الأدب الذي ولدته هذه الأزمات؟ وأين قصة كقصة البؤساء تمثل البؤس الذي برح بنا في عهد الحرب؟ وأين القصة التي تمثل حيرتنا وألمنا؟ وأين مسرحية كمسرحية (غليوم تل) تصور أبطالنا وشهداءنا؟ وهذا شوقي الذي خلف لنا تراثاً من سر حياته الشعرية لم يجد في هذه الأزمات ما أوحى إليه مسرحية يصور بها مشهداً من هذه المشاهد التي قد يكون فيها ما هو أشد وأقوى على خلق التأثير من الموضوعات المطوية التي عالجها في مسرحياته. وأخيراً أين ذلك الأديب الذي يترجم عن عصره؟
على أن البعض يقول: وما عسى يغني الأدب الذي يأتي بالتلقين لا بالالهام؟ وكيف يملك حريته في التعبير، وإنما الأدب بحريته؟
أجيب هذا البعض بأني لا أدعو أدبنا إلى أن يتقيد، وما كنت يوماً لأدعو إلى أن أخلق للأدب أجواء محدودة يخوض فيها. وكيف أدعو إلى تحديد اتجاهات الأدب والتحديد معناه