أمراضه، وأحد هذه الأمراض الإنسان وهنالك مرض آخر يدعى كلب النار، وقد كان هذا الكلب السبب في تناقل الناس الأكاذيب وتصديقهم لها. وما اجتزت البحار إلا لأكشف هذا السر فرأيت الحقيقة عارية من أخمص قدسيها حتى عنقها، فما تخفي عني الآن حقيقة كلب النار، وحقيقة جميع أبالسة التمرد والأقذار التي لا تتفرد العجائز بالذعر منها
لقد هتفت قائلاً: اخرج من أغوارك أيها الكلب الناري وقل لي كم هي عميقة أغوارك ومن أين تأتي بما تنفثه علينا. إنك تكرع من البحر بشراهة، وذلك ما تنم عليه مرارة الملح في ثرثرتك، والحق أنك وأنت كلب الأغوار لا تستمد غذاءك إلا من الأماكن السطحية، فما أنت إلا كالمتكلم من بطنه لأنني في كل مرة سمعت فيها أقوال أبالسة التمرد والأقذار تبينتهم أشبه بك في دناءتك وأكاذيبك. لقد اتفقت أنت معهم على النباح واتفقتم جميعكم على ذر الرماد ونشر الظلام فأنتم أعظم المتفاخرين وتعرفون كيف تدفعون بالأوحال إلى الفوران وحيث تكونون لا بد أن تحيط بكم الوحول وكل ما هو إسفنجي مضغوط ضيق المسام وما يطلب الانطلاق إلا من اتصف بهذه الصفات. والحرية هي الصرخة التي تفضلونها غير أنني فقدت إيماني بالحادثات الجسام منذ رأيت الصراخ والدخان يتعاليان حولها.
صدقني يا إبليس الثورات الصاخبة الجهنمية، ليست أعظم الحادثات في أكثر ساعاتنا ضجيجاً بل هي في أعمقها صمتاً. وما يدور العالم حول موجدي الشغب الجديد بل هو يدور على محور موجدي النظم الجديدة.
لا بد لك أيها الشيطان من الإقرار بسخافة ما كانت تنقشع عنه قرقعتك وضباب دخانك وهل من جسام الأمور أن تتحول مدينة إلى مومياء وأن يتداعى عامود إلى الأوحال؟ وهذه كلمة أخرى أوجهها إلى هدامي الأعمدة: إن أقصى الجنون هو في إلقاء الملح إلى البحر وفي إسقاط الأعمدة إلى الوحول، لأن هذه الأعمدة كانت مطروحة على أوحال احتقاركم وهاهي ذي تنهض بسيماء الآلهة وقد انطبع عليها الألم الساحر. فهي والحق تدين لكم بالشكر لأنكم أسقطتموها أيها الهادمون
وهأنذا الآن أسدي النصح للملوك والكنائس ولكل من أضعفته الفضيلة أو أهرمه الزمان فأقول: دع القوة تسقطك لتعود إلى الحياة لترجع الفضيلة إليك.