(. . . ورأيت الناس يستولي عليهم حزن عميق، وقد وهنت قوى خيارهم فيما يعملون. وانتشر تعليم يؤدي إلى الإيمان في أن كل شيء باطل ومتشابه وقيد الزوال. فتجاوبت الأصداء في الهضبات مرددة: كل شيء باطل ومتشابه وقيد الزوال.
لقد حصدنا ولكن غلالنا أكمد لونها وتهرأت، فأي شيء تساقط تحت جنح الظلام من وراء كوكبه اللئيم؟
جففنا جميعنا فإذا نزلت بنا حارقة فلا يتطاير منا غير الرماد. لقد تعب منا كل شيء حتى لسان اللهيب.
غاضت الينابيع أمامنا وتراجع البحر عنا وقد زلزلت الأرض تحت أقدامنا ولكنها لم تفغر فاها لتوارينا. فمن لنا ببحر نغرق فيه، إننا نصرخ طالبين البحر فيذهب صوتنا بدداً على سطوح المستنقعات.
والحق أننا بذلنا أقصى جهودنا طلباً للموت ولما نزل جثثاً تحيا وعيونها جاحظة طي اللحود.)
هذا ما قاله أحد العرّافين فذهب قوله نافذاً قلب زارا فبدّله تبديلاً، وأصبح زارا حزيناً متعباً يضرب في الأرض شبيهاً بمن ذكرهم العراف في نبوءته.
وقال زارا لأتباعه: لن يمضي زمن طويل حتى ينسدل هذا الغسق القاتم على وجه الأرض، وأنا أحاذر ألا أجد وسيلة للعبور بنوري إلى ما وراءه فأنقذه من الانطفاء. هل من حافظ له بين هذه الأحزان وأنا قد أعددته ليضيء في العوالم البعيدة ويشع في طيات الظلام السحيق.
وسار زارا شارداً يحمل همه في قلبه، فأمضى ثلاثة أيام لا يذوق فيها طعاماً ولا شراباً ولا يعرف الراحة حتى وقف لسانه عن الكلام فاستغرق في نوم عميق. وجلس صحبه حوله يسودهم القلق طوال الليالي متوقعين أن يفيق ليردوه عن أحزانه.
وأفاق أخيراً فخاطبهم بصوت كأنه ترديد صدى بعيد قائلاً: (أصغوا إليّ، أيها الصحاب، لأقص عليكم ما رأيت في حلمي وساعدوني على تعبيره، فإن حلمي قد أغمض عيني ولم