! حينذاك أحاول أيضاً أن أقترب منك في غضبك لأرى عبقرية الإماتة والتخريب فيك كما رأيت إبداع الإيجاد والتكوين، ولأرى الدنيا صوراً من القبح والبشاعة والقسوة والفوضى كما رأيتها صوراً من الجمال والانسجام والنظام. . .
ولكنك تحتجين عنا حين تبدلين الثياب لتخفي عوراتك وسوآتك وشناعاتك، فتقتلين كل ذي عين حتى لا يراك فيقسم ألا يقترب ولا يعشق ولا يفنى في مظاهر خداعك وطلاء حقيقتك، وترسلين نارك التي تحرق دائماً، وماءك الذي يغرق دائماً، وقوارعك التي تحطم دائماً. . . فلا مطمع لأحبابك في رشوتك بالحب والشعر، ولا محسوبية ولا شفاعة أمام قوانينك الصارمة.!
وهأنذا أبحث عن حِرْز حَريز فيما وراء يدك المخربة، أخط فيه قبري وأختبئ فيه وأرصد منه دائماً حركة التجدد ورجوع الشباب والجمال إلى ديباجتك، وحتفالك لغير عيني من عيون الشباب الشعراء المقبلين. . . وهم يسكبون في سمعك ما أسكبه الآن من كلمات الهوى والغزل. . . ويقولون لك:(يا ذات الشباب المتجدد. . . اسبغي علينا من شبابك وأرضعينا يا أمنا من إكسير الخلد. . .) فأناديهم من مكاني البعيد الذي لا سلطان لكِ عليه قائلاً: أيها الطامعون في الخلود مع هذه العجوز المتجددة. . . لا تطمعوا أن تعطيكم ما بخلت به من قبلكم من بينها. . . إنها لم تسمح لأحد بالبقاء الكثير حتى لا يحتويها ويكفر بجمالها، فابحثوا عن مثل هذا المكان الحرير الذي أناديكم منه. . . واقنعوا أن يكون حظ أحدكم منها قبراً معلوماً في القبور، يقف أمامه أبناؤها اللاحقون ويشيرون إليه قائلين: هنا يرقد قلب شاعر عرف أمنا فكان يشتري فيها الحبر بالذهب. . . فاسكبوا على قبره كأساً منه. . . .!