والحق أنني أسير بين الناس كأنني أمشى بين أنقاض وأعضاء منثورة عن أجسادها. وذلك أفظع ما تقع عليه عيناي فأنني أرى أشلاء مقطعة كأنها بقايا مجزرة هائلة. وإذا ما لجأت عيني إلى الماضي هاربة من الحاضر فأنها لتصدم بالمشهد نفسه. فهنالك أيضاً أنقاض وأعضاء أشلاء وحادثات مروعة. ولكنني لا أرى رجالا. . .
إن أشد ما يقع عليّ أيها الصحاب إنما هو الحاضر والماضي وما كنت لأطيق الحياة لو لم أكن مستكشفاً ما لابد من وقوعه في آتى الزمان، وما زارا إلا باصرة تخترق الغيب فهو رجل العزم وهو المبدع، هو المستقبل والمعبر المؤدي إلى المستقبل، هو وا أسفاه ذو عاهة ينتصب على هذا المعبر.
وأنتم أيضاً تتساءلون مراراً: من هو زارا؟ وبماذا نسميه؟ فلا تتلقون غير السؤال جواباً كما أتلقاه أنا.
أهو من يَعِدُ أم من ينفذ الوعد؟ أهو فاتح أم وريث أهو الطبيب أم هو الناقه؟
أشاعر هو أم حقيقة؟ أمحرر أم متسلط؟ أصالح أم شرير؟
ما أنا إلا سائر بين الناس قطعاً من المستقبل الذي يتراءى لبصيرتي، وجميع أفكاري تتجه إلى جمع وتوحيد كل متفرق على أسرار ومبدد على الصدف العمياء.
وما كنت لأحتمل أن أكون إنساناً لو أن الإنسان لم يكن شاعراً محللاً للأسرار ومفتدياً لإخوانه من ظلم ما تسمعونه صدفة ودهراً. وما الفداء إلا في إنقاذ من ذهبوا، وتحويل كل ما كان إلى ما أريد أن يكون.
ما المخلص والمبشر بالغبطة إلا الإرادة نفسها وهذا ما أعلمكم إياه يا أصحابي، ولكن اعلموا أيضاً أن هذه الإرادة لم تزل سجينة مقيدة.
إن الإرادة تنقذ، ولكن ما هي القوة التي تفيد المنقذ نفسه؟
إن داء الإرادة الوحيد إنما هو كلمة (قد كان) تقف الإرادة أمامها تحرق الأرّم عاجزة عن النيل كل ما كان، فالإرادة تنظر بعين الشر إلى كل ما فات وليس لها أن تدفع بقوتها إلى الوراء، فهي أضعف من أن تحطم الزمان وما يريده الزمان، وهذا داء الإرادة الدفين
إن الإرادة تنقذ، ولكن ما هو تصور الإرادة في عملها للتخلص من دائها وهدم جدران