يومئذ الكونت ليون تولستوي إلى القيصر اسكندر الثالث خطاب احتجاج على هذه الفظائع المثيرة
وأما جسيا هلفمان فكان لها قصة أليمة أخرى، ذلك أن حزب إرادة الشعب لجأ إلى الرأي العام الخارجي ليحاول إنقاذ هذه الفتاة المنكودة من براثن الموت، وأذاع شاعر فرنسا وكاتبها الأكبر يومئذ فكتور هوجو في الصحف الفرنسية خطاباً مفتوحاً إلى القيصر يناشده فيه الرأفة بآلام الفتاة؛ ورددت صحافات القارة هذا النداء. وفي الثالث من يوليه سنة ١٨٨١ عدلت عقوبة الإعدام إلى الأشغال الشاقة المؤبدة. وفي شهر سبتمبر نقلت جسيا إلى مستشفى السجن ووضعت طفلة لم يعرف مصيرها. وتوفيت الأم بعد ذلك بأشهر قلائل في فبراير سنة ١٨٨٢ من جراح أصابتها وقت الوضع وقيل إنها أحدثت فيها عمداً
هذه صفحة مؤسية مروعة معاً من صحف الثورة على الطغيان، وقد كانت النهلستية بلا ريب من أعظم الحركات التحريرية العنيفة التي عرفها التاريخ، وكانت من أحفلها بمواطن النضال الدموية وكانت القيصرية من جانبها من أشد النظم الطاغية إمعاناً في القسوة والعنف وإخماد النزعات الحرة. وكان هذا النضال الذي يخضب أرض روسيا بدماء الفريقين، ويدفع بآلاف من الشباب المستنير إلى ظلمات السجن والنفي مسألة حياة أو موت للقيصرية ولروسيا الجديدة معاً؛ وقد سار هذا النضال حيناً بعد مصرع اسكندر الثاني ومصرع قاتليه. ولكن القيصرية ضاعفت أهباتها ووسائلها لقمع الإرهاب. ومع أن المرهبين استطاعوا أن ينزلوا بالقيصرية وأعوانها عدة ضربات دموية أخرى وأن يدبروا اعتداءين جديدين على حياة القيصر، فأن القيصرية استطاعت بوسائلها الذريعة أن تمزق شمل الحركة الثورية؛ وركدت ريح النهلستية في أواخر القرن الماضي بعد أن هلكت زهرة دعاتها وأنصارها؛ ثم استعادت شيئاً من نشاطها في أوائل هذا القرن، ولكن القيصرية استطاعت من جانبها أن تجنب العاصفة بتحقيق بعض الإصلاحات الدستورية المنشودة، وإصدار الدستور الروسي الجديد سنة ١٩٠٦. على أن المثل الثورية التي بعثتها النهلستية في روسيا الجديدة لم تخمد جذوتها بل لبثت على اضطرامها حتى مهدت الحرب الكبرى أخيراً لانفجارها الرائع في سنة ١٩١٧. وعندئذ لم تقف العاصفة عند سحق القيصرية وكل نظمها القديمة، بل دكت نظم المجتمع الروسي القديم كله وقامت البلشفية على أنقاضه