للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والعقول الرجيحة، قد سبقوا إلى النظر في سائر العلوم، ووضعوا فيها المصنفات، ونظموا ذكرها في الكتب المؤلفات، ثم انتقلوا عن ذلك إلى قوانين الأشياء فقرروا في كل منها ما كان أصلاً يعتمد عليه، ونهوا عما كان فساداً لنظامها أو أدى إليه، وخالفوا بين أحكام تلك التصنيفات لاختلاف الأزمنة وتباين البلاد والأوقات، فوجدتهم قد صنفوا في كتابة الخراج كتباً كثيرة، وعُنوا بكتابة الجيش عناية كبيرة، فألف كل من العراقيين والمصريين في ذلك ما وصلت إليه طاقته واقتضاه ما أوجبه وقته والبلد الذي يحتله. فأما صناعة الشعر وذكر بديعه وسائر أنواعه وتقاسيمه، فقد أكثر كل منهم فيه المقال، وتوسع في تصنيفه وأطال، ورأيتهم أهملوا الكلام في الكتابة الجليلة قدراً، النبيهة ذكراً، الرفيعة شأناً، العلية مكاناً، التي هي كتابة حضرة الملك المشتملة على الإنشاء إلى ملوك الدول، والمكاتبة عنه إلى من قلّ من الأمم وجلّ، وكيف يجب أن يكون متوليها وما يخصه من الأخلاق والأدوات، وما يجب أن يكون فيه من الفضائل، وأن يجتنبه من القبائح والرذائل، وكيف ينبغي أن تكون أمور أتباعه ومعينيه، وأي الحالات ينبغي أن يكون عليها ديوانه الذي يتولاه وينظر فيه)

وكتاب قانون ديوان الرسائل درة نفيسة قدمه إلى الأفضل ابن أمير الجيوش وقال: (يجب أن يكون هذا الكتاب مخلداً في ديوان الرسائل يقتدي به كل من يخدم فيه، ويستضيء بهدايته ويحتذي أمثلته وأن يؤخذ المستخدمون في الديوان بفهمه وبحفظه) ثم قال: (ثم ينتفع بهذا الكتاب إذا جعل بحيث استقر مخزوناً بديوان الرسائل للقراءة فيه وتدبره كل من تصفحه أو يعمل بمقتضاه على مرور السنين وكرور الأحقاب والأعوام، فيكون كالمعلم لهم، والمهذب لأخلاقهم، والهادي لهم إلى سنن الصواب الذي قد درست معالمه وتنوسيت أحكامه)

ومما رأى أن يكون رئيس الديوان من المسلمين (ومع ذلك فيجب أن يكون متمذهباً بالمذهب الذي عليه الملك ليكون أنقى جيباً وأنصح غيباً، فان المسلمين وإن جمعتهم كلمة الإسلام، فقد أختص كل واحد منهم بمذهب يباين به بعضهم بعضاً، حتى حدث بذلك بينهم من التباعد والتنافر قريب مما بين المسلمين والمشركين) وعاد فأكد هذا المعنى في موضع آخر من أن الكاتب ينبغي أن يكون على دين الملك ومذهبه لكونه يكاتب الملوك المخالفة ملتهم ملة ملكه، وربما احتاج في مكاتباته إلى تفخيم ملة ملكه والاحتجاج لها وإقامة الدلائل

<<  <  ج:
ص:  >  >>