والعلم والعالمية؛ وهو في دعوته هذه إنما يُهيئ السبيل السوي للحوادث التي لا بد من وقوعها في المستقبل القريب
أما خير كتب ولز في هذا الموضوع وأحدثها فهو كتابه الطوبى العصرية الذي يرمي به إلى أيجاد مدينة كبرى فاضلة لتكون وطناً للهيئة الاجتماعية بأسرها ووافية بحاجات السعادة البشرية، وقد رشحت مادة هذا الكتاب من دراساته للفلسفة الأفلاطونية التي تغلغل في ثناياها واتسم بطابعها. ولولز في هذا الكتاب آراء طريفة في المرأة والزواج أعرضها على صفحات الرسالة الغراء لا لأنها تلائم روح عصرنا وتتمشى مع حضارتنا، ولا لأنها وقعت من نفسي موقع القبول والاستحسان، بل لأطلع جمهور القراء على ناحية جديدة من مناحي التفكير الغربي
يرى ولز أن ناموس الطبيعة في كائناتها قائم على أن تتوالد وتتكاثر، وعلى أن يفترس القوي الضعيف بأنياب محددة ومخالب قوية طبقاً لنظام تنازع البقاء وبقاء الأفضل، وما الحياة في نظره إلا حلبة تتصارع فيها الكائنات الحية على اختلاف أنواعها وأجناسها فيخرج منها القوي ظافراً منصوراً، ويولي الضعيف منهزماً مكسوراً. وليس ما نشاهده من فتك الإنسان بأخيه في مجاهل أفريقيا وغابات الهند وفي جزر زيلندا أو يماثله بين شعوب الإسكيمو التي تقتات باللحوم البشرية حيث يقيمون في كل يوم مجزرة هائلة من بني الإنسان تتفطر لهولها القلوب الجلامد، وتسح لها العيون الجوامد، أو ما نشاهده من تطاحن الأمم والشعوب على استعمار الأمم الضعيفة، واقتسام ثروتها؛ ومن فتك الحيوانات بعضها ببعض - إلا مظهراً من مظاهر تنازع البقاء ونوع من حكم الطبيعة على الضعيف بالموت والفناء. وعليه فلا سبيل لتقدم البشرية، وقد أصبحت مشاكلها تشغل الحيز الأكبر من عقول مفكريها، كشوبنهور، ونيتشه، وبرناردشو، وهكسلي إلا إذا أسندت أمرها وألقت مقالديها ووكلت بشوؤنها حكومة عالمية واحدة تسيطر على هذه الحركة وتبيدها، لئلا تصبح الهيئة الاجتماعية أشبه بأجمة للافتراس. ويتم ذلك بمنعها الضعيف عن التناسل والتكاثر وجعلها عدد الوفيات منه يزيد في كل عام على المواليد زيادة مطردة؛ وهكذا فلا تمضي حقبة من الزمن حتى تصبح الهيئة البشرية بكاملها كتلة واحدة من القوة متجانسة الأجزاء متماسكة الذرات، ولا يكون بعد ثمة تنازع على البقاء، الذي يشبهه ولز بشوكة في جانب حق