للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الساذجة التي تأمر بعبادة الأجداد وغيرهم من الموتى، وعقيدة الخاصة التي تحصر العبادة في السماء أو في (شانج - تي) أي السلطان الأعظم

لم تكن عقيدة الخاصة هذه مستحدثة في العصور المتأخرة، وإنما هي قديمة جداً، إذ نراها مسطرة في أقدم فصول كتاب (إِي - كينج). ولقد كانت الرياسة في هذه العبادات الراقية مقصورة على الملك الذي كان يسمى: (تي) أي السلطان وكانوا يلقبونه أيضاً بابن السماء؛ وقد تطورت هذه الرياسة في العصور المتأخرة فتجاوزت الملك إلى حكام المقاطعات والأقاليم

لم تكن عقيدة الخاصة مجرد عبادات وطقوس دينية فحسب، وإنما كانت ممتزجة بتفكيرات قيمة حول الكائن من حيث هو كائن وتحليلات لا بأس بها للقوى الطبيعية السماوية والأرضية التي كانوا يشاهدون آثارها، وكان ذلك مقصوراً على الخاصة ومحرماً على العامة تحريماً قاسياً. ويتضح هذا التحريم من قراءة أقدم فصول (إِي - كينج) إذ لا يكاد الباحث يتصفحها حتى يجزم بأنها لم تكتب إلا للحكماء والملوك وخاصة الأمراء وعلماء كبار رجال الدولة

وفي الواقع أن حكماءهم كانوا يقولون: ليس من العقل أن تُسَلَّم إلى الجمهور الأداة التي يسيء استعمالها، والتي قد تجرحه فترديه قتيلاً. وقد ظلت فكرة (المضنون به على غير أهله) قائمة في بلاد الصين حتى هذه العصور الحديثة، ولهذا قال: (لا أُو - تسي) حكيمهم المتنسك في العصور التاريخية: (كما أنه من غير الممكن إبعاد الأسماك عن الماء دون أن تموت، كذلك من المستحيل أن تكشف أسرار الدولة أمام العامة دون أن تفسد الحال)

من هذا نعرف مقدار حرص الخاصة على عدم تسرب أسرار عقيدتهم إلى العامة. والآن نريد أن نشير إلى شيء من تفاصيل هذه العقيدة، وعلى أي نحو كانت العقلية الصينية تفهم القوى المتصرفة في الكون وتؤمن بها وتوجه إليها التقديس. وإليك هذه الإشارة:

كان أولئك الخاصة من أقدم العصور يسندون التأثير في جميع الكائنات إلى قوتين عظيمتين: السماء والأرض؛ ولكنهم كانوا يرون في السماء وحدها السلطان الأعلى (اللامحدود) القوة، وكانوا يعتقدون أن السماء نفسها كائن حي متحرك بالإرادة، وبعبارة أدق: أن السماء هي العالم الحي المتحرك حسب نظام دقيق عجيب، وأنها هي كل الكون،

<<  <  ج:
ص:  >  >>