للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وعلى أن أهم ما يجمل بنا أن نشير إليه في هذا الموضع هو تصريح الفلسفة الصينية أو عقيدة الخاصة منذ عصور ما قبل التاريخ بأن جميع الكائنات هي نتائج التغير والتحول الدائمين والناشئين من الحركة. تلك النظرية التي طالما تلألأت في سماء الفكر الإغريقي في عصر ما قبل (سقراط) وكانت منشأ مجد (هيراكليت) ومبعث تلك المجادلات الفلسفية التي احتدم أوارها بينه وبين (بارمينيد) وتلميذه (زينون الإيليائي).

وليست هذه هي النظرية الفلسفية الوحيدة التي سبق الصينيون فيها الإغريق، بل إنهم قد سبقوا أفلاطون بتلك النظرية التي أسلفناها آنفاً، وهي تصريحهم بأن السماء كائن حي، متحرك بالإرادة. وإذا أردت التوسع في إيضاح هذه النظرية فارجع إلى أفلاطون أو إلى كتب ابن سينا وابن رشد فإنك ستجد فيها الفصول الضافية والبحوث المستفيضة.

لا يفوتنا قبل أن نغادر هذا الفصل أن نعلن أن هذا الكون الأوحد عند الصينيين لم يكن مادياً محضاً، وإنما كان طبيعياً أي مادة مشتملة على روح، بل إنهم صرحوا بأن الجانب المادي في الطبيعة لم يحتفظ بنظامه كاملاً إلا بفضل الجانب الروحي، وكذلك ينبغي أن نشير إلى أن الإنسان له عندهم منزلة خاصة، بل إنهم كانوا يعتبرونه عالماً مستقلاً ويضيفون اسمه إلى اسمي السماء والأرض كمظهر قوى من مظاهر الوحدة الكونية أو الكون الأوحد، لأنه هو المشتمل على الروح من بين جميع الكائنات وفي هذا يقول كتاب (شو - كينج): (إن السماء والأرض هما أبوا الكائنات جميعها، والإنسان من بين جميع الكائنات هو وحده الموهوب روحاً).

ولكن ليس معنى إضافة اسم الإنسان إلى اسمي: السماء والأرض هو تكوين ثالوث كثالوث الهنود أو المسيحيين، بل إنها وحدة مطلقة كما أسلفنا. وكذلك يجب أن نعلن أن هذه النظريات الراقية لم تكن يوماً ما عامية ثم تهذبت، وإنما هي وليدة أفكار الخاصة والمهذبين استخلصوها مباشرة من دراسة ما حولهم من الظواهر الطبيعية

(يتبع)

محمد غلاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>