للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لتعالج وينظر فيها في هذا العهد الذي تقف فيه مصر والشام وغيرهما من الأقطار العربية على مفترق الطرق تصفى حساب الماضي تصفية عامة، فتبقى على الصالح وتلقي الفاسد. لذلك ندع الكلام في منشأ الوظيفة، وننظر إليها نظرنا إلى (ضرورة اجتماعية) نشأت من ميل الإنسان الفطري إلى الحياة الاجتماعية. وما ظهر في هذه الحياة من حاجات جديدة ليست حاجة فرد دون فرد، ولكنها حاجة المجموع، استلزم القيام بها انقطاع جماعة من الناس إليها تكفل لهم الناس بالمعيشة وعاهدوهم على الطاعة ليمكنوهم من إنجاز عملهم الذي انقطعوا له، على نحو ما يفعل الذين ينتسبون إلى جمعية أو نادٍ أو شركة، حين ينتخبون جماعة منهم يديرون الشركة أو الجمعية ويجعلون لهم راتباً معيناً ويعطونهم حق اتخاذ القرارات ويتعهدون بطاعتها وتنفيذها؛ غير أن جماعة الموظفين أو الحكام لم تنشأ بعقد كهذا العقد، ولكنها نشأت بالتدريج وبشكل طبيعي. والراجح إنها كانت تستند في أول أمرها إلى القوة والطغيان، وأنها كانت إرادة طرف واحد، هو الطرف القوي (الحكام) اضطر الفريق الثاني (الشعب) إلى قبولها والخضوع لها، لأنه ضعيف ولأنه رأى وجود هذا الحاكم القوي الظالم أخف الضررين وأهون الشرين؛ إذ لولاه لكانت الحالة فوضى وإذن يكون كل قوى حاكماً على كل ضعيف، فيكون بدل الظالم الواحد ألف ظالم

ثم تبدل هؤلاء الحاكمون الأقوياء على مر الأيام حتى استحالوا أخيراً موظفين خاضعين لنوع من الأنظمة والقوانين يختلف رقيها وشدتها باختلاف الممالك والبلدان

أما طبيعة هذه الوظيفة فليس لها شبيه في الحقوق الخاصة

وخير ما يمكن أن يقال فيها أنها تمثيل شخصية الدولة الحقوقية، والتعبير عن إرادتها، وقديماً كان يشبهها فريق من العلماء بالوصاية، ويرون الحكام بمثابة أوصياء على الشعب، ثم اتضح أن الوظيفة لا تشبه الوصاية بشيء، وأنها اقرب إلى الوكالة. فساد الرأي بأن الحكام وكلاء عن الشعب يقومون بأعمالهم بالنيابة عنهم، ويعبرون عن إرادتهم؛ بيد أن هذه الوكالة تحتاج إلى موافقة جميع الأفراد، وهذا غير واقع ولا ممكن. فما هي طبيعة هذه الوظيفة إذن؟

إنها كما قلنا من طبيعة خاصة لا شبيه لها في الحقوق الخاصة. (وغاية ما يستطاع أن يقال في هذا الشأن هو تشبيه الحكام - كما أشار إلى ذلك الأستاذ - بالمتبرعين بالعمل، أي

<<  <  ج:
ص:  >  >>