يمنع من اصطباغ معتنقي نظرياته بصبغة علماء الكلام. وعليه يكون لعلم الكلام دوران: أولا صبغته الفطرية وهي تبتدئ منذ سنة ٣٨ وتنتهي سنة ١٣٦؛ والدور الثاني صبغته الفلسفية الحاضرة وتبتدئ منذ عصر الترجمة سنة ١٣٦هـ
وتقريباً للأذهان سنضرب للقارئ مثلاً يرتضيه الخيال ويتفق مع النواميس الاجتماعية، فربما أعطانا صورة لتلك الثورة الفكرية، وهذا المثال هي الثورة الثقافية والاجتماعية الماثلة لدى الشعوب والحكومات الشرقية التي استقلت بعد الحرب العامة فقد شاهدنا هاته الشعوب والحكومات كيف سارعت وتطورت في دراسة نواحي الاستقلال وما يلابسها من نظريات اجتماعية وسياسية ومدنية وقضائية وعلمية وفنية وعسكرية وما إلى ذلك من خصومات الحضارة الأوربية وأساليبها - درست جميع ذلك بطريقة عملية تلقينية وبأساليب التفكير والتجربة والتقليد إذ لم تكن لدى تلك الحكومات ما يصح أن يقال لها مدارس فنية أو عسكرية قضائية أو اقتصادية، ومع ذلك وجدنا ابن الريف والفلاح الأمي قد سارع في تلك البلاد إلى تلقي الأنظمة والفنون الحربية بما فيها آلاتها وأدواتها الميكانيكية كما وجدنا الحضري ساق السيارة والباخرة والقطار، والتاجر والصانع أصبح سياسياً أو إدارياً أو صحافياً أو مهندساً في حين أن معظم هؤلاء وأولئك لم يكونوا قد سمعوا بشيء في ذلك فضلا عن مشاهدته والقيام بما يتطلب. والأغرب من ذلك كله أن جميع هؤلاء الفنيين أو المدربين الشرقيين قد نجحوا ومهروا ببضعة سنين
ونحن نرى في هذا المثال صحة المقارنة وانطباقها مع تلك الموجة العربية الإسلامية كل الانطباق إلى درجة لم يبق معها مجال للحيرة والشك في سرعة قبول المسلمين لنظريات علم الكلام وفي كيفية امتزاج هذا العلم وأشباهه مع الدين الإسلامي