وفي كل قسم من هذه الأقسام تدرس فضلاً عن لغة الشعب، القواعد الخلقية التي يسير عليها، والمذهب الفقهي السائد فيه. وبناء على هذه الدراسة تحدد موضوعات الوعظ الديني التي تجب دراستها في كل قسم، لأن الغاية من الوعظ هي حمل الشعب بطريقة التأثير في نفسه على اتباع قواعد خلقية معينة يقتضيها النظام العام لحفظ وحدة الأمة وبغية سعادتها. والغاية وإن كانت واحدة فأن الطرق إليها مختلفة لضرورة اختلاف النفسيات التي تخضع في تكونها إلى الوراثة والتربية الأولى والمجتمع فيما بعد، وهذه العوامل ليست متشابهة في كل أمة
هذا فضلا عن دراسة نفسيات هذه الشعوب وثقافتهم هي في نفسها دراسة إسلامية يرجى من ورائها تعارف الأمم الإسلامية وتزايد الرابطة بينها
وبهذه الأهمية أصبحت دراسة علم النفس التجريبي اليوم، ومن خصائصه وصف النفسيات المختلفة للأفراد والأمم، العامل الأول في السيطرة على النفوس إما لغرض إصلاحها أو بغية استعمارها. ولم يعن الأوربيون بدراسة النفس الشرقية على ضوء التجارب والسلوك الشخصي وكذا بقية الأمم الضعيفة وإنشاء المعاهد المختلفة لدرس ثقافاتهم وأديانهم ولغاتهم حباً أفلاطونياً في العلم وغراماً خيالياً بالبحث، وإنما عنوا بها رغبة في السيطرة والاستعمار العسكري أو التجاري
وإذا كان التخصص في الموضوعات الفنية يحتاج إلى الاتصال بالأوساط العلمية الأخرى، الأجنبية عن الأزهر، فإن التخصص في أقسام الوعظ أشد احتياجاً إلى الاتصال بالشعوب الإسلامية المنتشرة في بقاع الأرض ودراسة أحوالها النفسية والشعبية لبناء الوعظ على أساس متين تكون من ورائه الفائدة محققة، وتتقوى بذلك رابطة مصر العلمية والأدبية بالأمم الإسلامية الأخرى، وهي رابطة يجب أن تحافظ عليها لأنها سبب عظمة مصر فيما بينها وتعلق تلك الشعوب بها
وبهذا يكون للأزهر صلة حية بالشعب إذ يصبح المدرسة العالية لثقافة وطنية مؤدية لمقتضيات العصر الحاضر، ومعهد البحث للتشريع الوطني الحديث؛ وفي الوقت نفسه يقوم برسالته الروحية في بقية العالم الإسلامي، ومن ورائها يؤدي رسالة مصر الأدبية في الخارج. وما هذه المنزلة العالية التي تتمتع بها مصر اليوم في الشرق إلا لهذه الصلة