الخالدة و (الفردوس) ولكني لا أكتم القارئ أنني لم أستطع أن أرضي شعوري الفني بلذة الحياة الخالدة، فضلاً عن أني لا أستطيع أن أفهم كيف تكون هناك (حياة) في (خلود)! كما أن من المعلوم أيضاً أن الخلود لم يجد من الأدباء على وجه العموم التفاتاً جدياً بل كان في أكثر كتابات الكاتبين الرمزيين والخياليين فقط؛ ولعل الأستاذ المازني أشد أدباء العربية سخرية بالخلود وبالأدب الخالد.
ومادمنا في حديث الخلود في الأدب فما هو يا ترى المقصود به؟ وأي أدب خلد أو سيخلد؟ وهل في وسع المرء أن يتصور للخلود عمرا؟
لا ريب أن تاريخ الأدب لا يتعدى بضع مئات من السنين، وأرجو أن لا يسارع القارئ فيذكر لي أوراق البردي وشعراء الفراعنة فهذه الآثار لم تخلد - إن صح أنها خلدت - لأنها من الأدب بل لأنها من التاريخ. . . فما قيمة مئات السنين هذه في عمر الدنيا؟ وهل هذه المئات من السنين هي المفهوم من معنى (الخلود) في الأدب؟ إن كان ذلك فما اشد بؤس الأدب وما أحوجه إلى خلود أطول عمراً!
هذا في الأدب، أما في حياة الفرد فالرزء أعم كما أسلفنا، وبالرغم من أن جميع البشر يتمنون الخلود فإنه ليس أبرد منه وأخلى من السعادة الموموقة. وأمامي قطعة من شعر العقاد لعله لم يقلها في هذا المعنى، ولكنه يستفاد منها وهي:
لو علمنا حظنا من يومنا ... ما بكى الصبية في غض السنين
أي كنز قد سفكناه على ... حسرات تضحك القلب الحزين!
حجبت عنا مزايا عمرنا ... فبكى من هو بالصفو قمين
وقضينا العمر لا ندري بما ... بين أيدينا وندري ما يبين
نجهل الورد فنرميه ولا ... يجهل الشوك الفتي وهو طعين
أترانا لو علمنا حظنا ... من غد نقنع بالحظ الرهين؟
أم ترانا نحمد الخطب إذا ... حان علماً بالذي سوف يحين؟
إن شكونا قيل لا تشكو فقد ... أنصفتكم هذه الدنيا الخؤون
لو درى الطفل بما سوف يرى ... شقي الطفل بما سوف يكون
والمازني يقول في أحد كتبه ما مؤداه: تعساً للجيل الذي يكون في حاجة إلى أدبنا هذا. وهو