للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عادت تهدد الأقاليم الصينية الشمالية في منطقتي شاهار وجيهول، وتغير عليها من آن لآخر لمختلف الأعذار والحجج. ولما كانت الحكومة الصينية الوطنية في ظروف لا تمكنها من إرسال جيوشها إلى تلك الأقاليم النائية، فقد تركت أمر المقاومة للجيوش المحلية؛ ولكن الجيوش المحلية قاصرة الأهبة والعدد، ولا يضمن ولاؤها دائماً؛ ومن ثم استطاعت اليابان بتفوقها الحربي أن تبسط على منطقة شاسعة من الأقاليم الشمالية شبه حماية عسكرية. كل ذلك وحكومة نانكين الوطنية تستغيث بعصبة الأمم وبالدول العظمى التي ضمنت بمعاهدة (الدول التسع) استقلال الصين وسلامة أراضيها، فلا تجد مغيثاً غير الاحتجاج والتصريحات العقيمة؛ واليابان فيما بين ذلك تتوغل تباعاً في أراضيها لا تلوي على شيء

ومنذ عامين طلعت اليابان على الدول بتصريح جديد في غاية الخطورة، خلاصته أن اليابان لا تطيق بعد أي تدخل جديد من الدول الغربية في شئون الصين، وأنها تعتبر أي محاولة جديدة من جانب الدول الغربية لتوسيع نفوذها أو مناطق امتيازها في الصين عملاً غير ودي بالنسبة إليها. ولم تقصد اليابان بهذا التصريح الذي صيغ على مثال تصريح منرو الأمريكي أن تعلن عطفها على الصين أو تضامنها معها ضد عدوان الدول الغربية، كما قصدت السياسة الأمريكية باعتناق الرئيس منرو وطبقته منذ نحو قرن بهذا المعنى بالنسبة للدول الأمريكية، ولكنها قصدت غاية أخرى أبعد مدى، وهي أن تجعل من الصين ميداناً لنشاطها الاستعماري دون الدول الأخرى، وأن تستأثر وحدها بتوسيع نفوذها السياسي والاقتصادي في مناطقها الغنية، وان تقتطع من أراضيها ما استطاعت كما فعلت بالنسبة لكوريا ومنشوريا. وعلى هذا الأساس الغريب أرادت اليابان أن تفهم فكرة الجامعة الأسيوية وأن تطبقها، فهي ترى أنها أحق الأمم باستعمار الصين، وأنه إذا كانت الصين لا تستطيع أن تنظم شئونها وتجمع كلمتها ولا أن تدافع عن نفسها الاستعمار الغربي، فان اليابان تأخذ على نفسها تلك المهمة بوضع الصين تحت نفوذها وحمايتها، وبذلك يمكن في نظر اليابان أن تحقق فكرة الجامعة الأسيوية ومبدأ آسيا للأسيويين. وقد كان لهذا التصريح وقع عميق في أوربا وأمريكا، ولكنه مر كما تمر باقي الحوادث في الشرق الأقصى أمام نظر الدول وسمعها ولم يثر سوى الاحتجاجات الدبلوماسية العادية. ذلك أن أوربا مشغولة بمشاكلها الخاصة، والدول العظمى متخاصمة مفرقة الكلمة، ولم يعد للجبهة الأوربية القديمة

<<  <  ج:
ص:  >  >>