كل بلاء وإثم، وأخذ يدعو إلى (النقاء المطلق)؛ وهذا النقاء لا يتحقق في رأيه إلا بمجانبة كل بواعث الضعف ولا سيما الإغراء الجنسي، والكبرياء، والأنانية، ولا سبيل إلى تحقيق هذا المثل الأعلى إلا (بقتل الجبة) أو بعبارة أخرى إعدام الأعضاء الجنسية والتخلص من آثامها.
(هكذا نشأت طائفة المجبوبين)(سكوبتسي)، واستطاع سلفانوف أن يحشد حوله جماعة من التلاميذ والأشياع معظمهم من الفلاحين البسطاء؛ ولم تكشف السلطات أمره إلا في سنة ١٧٧٥ إذ قبض عليه وجلد وعذب مراراً، ثم نفي إلى سيبريا؛ وقبض على كثيرين من أشياعه المجبوبين، وجلدوا، وحكم عليهم بمختلف العقوبات.
ولكن الدعوة البربرية لم تخمد مع ذلك، فحملها تلاميذ سلفانوف ورفعوه إلى مرتبة التقديس وأسموه (بالمنقذ) وجاوزت الدعوة طبقة الفلاحين إلى الطبقات الأخرى، فانتظم في سلك الطائفة جند وتجار وغيرهم خضعوا جميعاً لهذا التشويه الهمجي؛ وزعموا أخيراً أن سلفانوف هو الإنسان الوحيد الذي مثلت فيه روح المسيح، وأنه سيعود قريباً. أما سلفانوف فلبث يرسف في منفاه في أركوتسك زهاء عشرين عاماً، ثم استطاع الفرار أخيراً ولم تهتد السلطات إلى أثره.
وفي العام الثاني ظهر في قرية بيخوفو على مقربة من موسكو شخص يرتدي أسمالاً بالية، وقد حزم بطنه بسلاسل من الحديد وبدت عليه آثار السقم والورع، فالتف حوله بعض الفلاحين، وكان يصلي بينهم بلغة مجهولة؛ ولم يمض سوى قليل حتى ظهرت معجزاته إذ استطاع أن يشفي أمراه مريضة، وأن يحول الخمر إلى ماء؛ وفي ذات يوم أخذ يتكلم بالروسية وزعم أنه القيصر (بطرس فيدروفتش) ولم يكن هذا الدعي سوى سلفانوف نفسه، رأى في حوادث البلاط الروسي يومئذ منفذاً جديداً لدعوته؛ والقيصر بطرس فيدروفتش أو بطرس الثالث هو زوج الإمبراطورة كاترين، وقد توفي سنة ١٧٦٢ في ظروف مؤسية غامضة، واتهمت زوجته بتدبير مصرعه لأنهما كانا على خلاف دائم؛ وكان القيصر مصاباً بالضعف الجنسي، وكانت زوجه تبغضه ويبغضها لفجورها؛ ولكنه كان محبوباً من بعض طوائف الشعب لنزعته الحرة وخلاله الرقيقة، وكان من مآثره التي زادت في حبه أن أفرج عن آلاف عديدة من المنفيين لأسباب دينية؛ فلما توفي على هذا النحو الغامض ذاعت حول