لا يعرف التاريخ عن حياته الخاصة أكثر من أنه متزوج في التاسعة عشرة من عمره، وأنه لم يكن موفقاً في زواجه، ففارق زوجته بعد بضعة أعوام من تاريخ الزواج، ولكنه أعقب منها غلاماً وفتاة زوجها فيما بعد لأحد تلاميذه الأوفياء، وأنه بعد زواجه بزمن يسير عين مراقباً في إحدى إدارات الزراعة فكان هذا التعيين ثقيلاً على نفسه، لأنه كان يراه من ناحية غير متناسب مع سمو مكانته، وكان من ناحية ثانية متنافياً مع مواهبه وثقافته، ولكن ضرورة البأساء قد ألجأته إلى قبوله فقبله على مضض؛ ثم ظل يتحرق إلى مهنة التعليم التي كان يعتقد أنه خلق لأجلها، فلما حيل بينه وبينها أخذ يقوم بها في أسرته، وأخيراً عين أستاذاً في مدينة (لُو) حيث كرس مجهوداته كلها للعلم والتعليم والبحث وراء الحقيقة، ونشر الفضائل الأخلاقية. وكان منزله أرقى ناد في المدينة يجتمع فيه أجل الشبان المهذبين الراغبين في العلم والأخلاق والتقدم الاجتماعي؛ وكان جميع المهذبين من شيوخ وشبان مفتونين بما حواه رأس هذا الحكيم الشاب من معارف سامية. وفي الحق أن رأيه كان موسوعة لعلوم عصره وفنون زمنه. وإليك ما يصف به نفسه في كتاب (لون - يو): (في الخامسة عشرة كنت أفرغ كل عنايتي في الدراسة، وفي الثلاثين كنت أسير بخطى أكيدة وحازمة فوق صراط الفضيلة، وفي الأربعين لم يكن لدي أي ريب، وفي الخمسين كنت أحيط علماً بناموس السماء، وفي الستين كنت أفهم كل ما تسمعه أذني، وفي السبعين كانت كل رغبات قلبي متجهة إلى عدم مخالفة أية قاعدة أخلاقية)
في سنة ٥٢٥ قبل المسيح ارتحل إلى (لو) مدينة (لاهو - تسيه) ليكمل معارفه بالاطلاع على محفوظات الدار الملكية كما أشرنا إلى ذلك آنفاً؛ وبعد أن أقام بهذه المدينة سنة عاد إلى بلده. وفي سنة ٥١٦ شبت حرب أهلية بين كبار الملاك في مقاطعته، فغادرها إلى مقاطعة أخرى، فاستقبله رئيسها أعظم استقبال، وأخذ يستنصحه في كثير من نواحي الحياة، ولكنه لم يتبع نصائحه في حياته العملية، فلما قدم إليه المال رفضه الحكيم قائلاً:(إن الرجل الفاضل لا يتسلم من المال إلا بقدر ما يقوم به من الأعمال، وإني قدمت إلى الأمير نصائح فلم يعمل بها، فإذا حسب بعد ذلك أنني سأقبل ماله فهو بعيد عن فهمي)
وبعد إقامته خمسة عشر عاماً في هذه المقاطعة عاد إلى بلاده، وكانت المياه فيها قد رجعت إلى مجاريها، وهناك عين مديراً أعلى لمدينة (تشونج - تو) فمكنه هذا التعيين الجديد من