للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلما استوثق مني أشار إليّ أن أسير إلى حيث يجلس. ولقد اقتربت منه باحترام يليق بطبيعته العلوية، ولما كان قد تملك قلبي بأناشيده الحلوة فقد ألقيت بنفسي على قدميه وعيناي تذرفان الدمع

فنظر إليّ الجني نظرة عطف وحنان سرعان ما جعلته أليفاً إلى نفسي، وسرعان ما بددت تلك المخاوف التي ساورتني وأنا أدنو منه، ومد يده فرفعني عن الأرض وتناول يدي قائلاً: (مرزا! لقد سمعتك وأنت تناجي نفسك فاتبعني)

واقتادني إلى أعلى صخرة بين تلك الصخور ثم وضعنني فوق أعلى قممها وقال:

- (ول وجهك نحو الشرق وأخبرني ماذا ترى هنالك؟)

قلت: (إني أرى وادياً مترامي الأطراف يخترقه مجرى هائل من الماء)

قال: (إن الوادي الذي تراه هو (وادي الشقاء)، وإن المجرى الذي يخترقه هو جزء من ذلك المجرى العظيم (مجرى الأبدية)

فقلت وما السبب في أن هذا الجزء من المجرى يخرج في أوله من خلال ضباب كثيف ثم ينتهي عند آخره إلى ضباب كثيف؟

قال (إن ذلك الجزء الذي ترى هو قسم من الأبدية تعبرون عنه بالوقت وتقيسونه بالشمس، وهو يمثل الحياة من أولها إلى منتهاها)

ثم قال: (أنظر إلى هذا البحر الذي تكتنف الظلمة طرفيه وحدثني عما ترى فيه)

قلت: (إني أرى قنطرة كبيرة في هذا الخضم)

قال: (إن هذه القنطرة ليست إلا الحياة الدنيا، فانظر إليها بإمعان)

نظرت فرأيتها مكونة من ثلاث حلقات تكون في مجموعها عشر أقواس؛ ثم شاهدت إلى جانبها عدداً من الأقواس المحطمة يصل بها الفرد إلى ما يقرب من المائة، وبينما كنت أعد هذه الأقواس أخبرني الجني أنها كانت في أول أمرها تبلغ الألف عدداً، ولكن فيضاناً هائلاً قد اكتسح معظمها وترك القنطرة على تلك الحالة المتهدمة التي كنت أراها

قال الجني: (أخبرني ماذا ترى فوق تلك القنطرة؟)

قلت: (إني أرى جموعاً من الناس تسير فوقها وأرى الضباب يكتنف نهايتها)، ولكني لما أمعنت النظر قليلاً شاهدت بعض الناس يسقطون من أعلى القنطرة إلى العباب المتلاطم

<<  <  ج:
ص:  >  >>