إشتدت حرارته وبرودته ولكن ما أصعب ذلك إذا أخذ الحار يبرد والبارد يسخن فأنك تصل لا محالة إلى درجة يعسر عليك الحكم فيها بالحرارة أو البرودة.
أكبر ظاهرة في التفريق بين الأدب والعلم إن الأدب يخاطب العاطفة، والعلم يخاطب العقل، فإذا قلت إن زوايا المثلث تساوي قائمتين فإنك تخاطب العقل ولا تمس العاطفة وإذا قال المتنبي:
خلقت ألوفاً لو رحلت إلى الصبا ... لفارقت شيبي موجع القلب باكياً
فهو يمس العاطفة أولا، ومن أجل هذا كانت الجملة الأولى علماً وبيت المتنبي أدباً.
العالم يلاحظ الأشياء يستكشف ظواهرها وقوانينها وعلاقتها بأمثالها وما يحيط بها، على حين إن الأديب لا ينظر اليها إلا من حيث أثرها في عواطفه وعواطف الناس، ينظر النباتي إلى شجرة الورد فيدرس كل جزء منها والتغيرات التي تطرأ عليها من وقت بذرها إلى وقت فنائها، ومن أية فصيلة هي، وما علاقتها بالفصائل التي تقرب منها، أما الأديب فينظر إلى أجزاء الشجرة منسقة متناسبة ويرى أنها لم تخلق إلا لزهرتها الجميلة، وأن بين الزهر وقلبه نسباً، يعجب بحمرة لونها على خضرة أوراقها ويذهب خياله في ذلك كل مذهب. أما النباتي فيبحث لم كانت الزهرة حمراء وأوراقها خضراء. عالم الحياة لا يرى في الفتاة المحبوبة إلا إنساناً خاضعا لكل أبحاث البيولوجيا أما الأديب فيرى في محبوبته شيئاً وراء كل ما يبحث عنه العالم، هي الحياة وهي الدنيا وهي النعيم إذا وصلت والبؤس إذا صدت، أو يقول مع القائل:
ويلاه إن نظرت وإن هي أعرضت ... وقع السهام ونزعهن أليم
فالكلام إذا لم يثر عاطفة لم يكن أدباً فإذا هو خاطب العقل وحده كان علماً، وإذا أمعن في إثارة العاطفة كان أمعن في الأدب. وليس الأدب وحده هو لغة العاطفة فقد تفوقه في هذا الموسيقى فهي قادرة على أن تضحك وتبكي، وتسر وتحزن، وتسر سروراً حزيناً، وتحزن حزناًسارا وتؤلم ألما لذيذا، وتلذ لذة أليمة، وتثير الشجاعة حتى لتدفع إلى الموت، وتنفث الخمول حتى لتدعو إلى النوم، تقدر الموسيقى أن تفعل كل ذلك في العاطفة وهي اقدر من الأدب لأن الأدب يخاطب العاطفة بواسطة الكلام ومن طريقة أما الموسيقية فتخاطب العاطفة وجها لوجه من غير وسيط، تؤثر فيك أدوار العود والقانون والبيانو ولو لمتصخب